رافق إعلان السلطات الصحية الوطنية عن إطلاق حملة شاملة للتلقيح ضد فيروس كورونا المستجد، خلال الأسابيع المقبلة، ارتفاع مجموعة من الأصوات المشكّكة في اللقاح، مما فتح المجال أمام تناسل الإشاعات والأخبار الزائفة حول كيفية عمله وأيضاً مدى سلامته ونجاعته.
ويعود ترويج نظريات المؤامرة المرتبطة بفيروس “كورونا” والتشكيك في مصداقية اللقاح على شبكات التواصل الاجتماعي، مجدداً بعد رفض شرائح واسعة من المواطنين تقبّل حقيقة وجود الفيروس وخطورته
وفي هذا الصدد، قال صلاح الدين لعريني، أستاذ باحث في سوسيولوجيا الصحة وأنثروبولوجيا المرض بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، إنه على الرغم من عدم توفرنا في المغرب -إلى حدود الآن-على نتائج بحثية ميدانية واستطلاعات رأي شاملة ودقيقة بخصوص نسب القبول والرفض الاجتماعي لهذا التلقيح، إلا أن عدم الاستجابة للتلقيح ضد الفيروسات، كما هو الشأن مع فيروس الأنفلونزا الموسمية مثلا، في صفوف البالغين يكاد يكون ظاهرة اجتماعية عالمية تحولت في الغرب إلى حركة اجتماعية مناهضة لسياسات التلقيح وللدور الأبوي للدولة.
وتابع لعريني، في تصريح لموقع القناة الثانية، أنه لا يجب نسيان “أن البشرية مدينة في قضائها على الكثير من الأمراض المعدية أو على الأقل الحد منها (الجذري، الحصبة، شلل الأطفال…إلخ)، إلى التلقيح. وسبق لمنظمة الصحة العالمية أن أدرجت عدم الثقة في التلقيح ضمن قائمة التهديدات العشر للبشرية”.
ورجّح المتحدث أن يكون “شك وتوجس بعض المغاربة وترددهم بشأن اتخاذ قرار قبول إجراء التلقيح ضد كوفيد -19، لاعتبارات عديدة، منها أننا أمام تلقيح يشكل حدثاً صحياً جماعياً ضد فيروس ارتبط منذ ظهوره وما زال بصور الخطر واللايقين والخوف؛ بحيث ما دام هذا التلقيح في طور التجارب الأخيرة، فمن الطبيعي أن يبدو للحس العام مخيفاً، وأن يتقوى منسوب الخوف الاجتماعي من مضاعفاته المحتملة والشعور بالخطر تجاهه.”
ويضيف الأستاذ الباحث، أن من بين الأسباب التي قد تكون وراء الرفض، اقتران اللقاح في بنية التمثلات الاجتماعية بالعديد من الآثار الجانبية والأمراض كالعقم والتوحد والاضطرابات العقلية وتدمير جهاز المناعة… إلخ. وتتم عملية الربط التمثلاتي هاته بمنطق اختزالي، يركز على هامش الخطر ويتغاضى عن الجوانب الإيجابية للقاح.
وما يعزز أكثر هذا النوع من المخاوف والتمثلات الاجتماعية والشائعات، يضيف الباحث، هو “نظرية المؤامرة”، التي ما زالت إلى حد الآن من أقوى النظريات الاجتماعية شيوعا في المجتمع حول هذا الفيروس ولقاحه، بالإضافة إلى التضليل الإعلامي خاصة على مواقع التواصل الاجتماع.
من جانب آخر، يؤكد المتحدث على دور أزمة الثقة البنيوية والمركبة تجاه السياسة والطب والصناعة الدوائية، في مثل هذه التمثلات “سيما وأن الوجه المأساوي لجانب من تاريخ تطوير واستخدام التلقيح (أخطاء الشركات المصنعة، ضحايا التلقيح…)، فضلا عن فشل السياسة الصحية للدولة في الحد من التفشي الوبائي للفيروس، من المحتمل أن تكون خلفية تغدي المشاعر والمواقف الاجتماعية المضادة لسياسة التلقيح حتى في صفوف بعض مهني الصحة والنخب الاجتماعية والفئات ذات المستوى التعليمي العالي”.