مسلسل العنف المؤدي للموت في الجزائر و«كورونا» جزء من السبب

رغم تراجع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، واختفاء حالة الهلع والهوس بالنظافة وارتداء الكمامات وغيرها من التدابير الاحترازية، إلا أنّ ظاهرة العنف المؤدي للموت أصبح فعلا يوميا في المجتمع الجزائري، يوقظ الأوجاع والأسف ويزيد من آلام أسر الضحايا!

جرائم قتل مروعة تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي والصحف في مسلسل دموي لا يريد أن ينتهي. تنقل «المحور اليومي» وقائع «زوج يذبح زوجته وشاب ينتحر أمام الملأ، بعد ارتكابه جريمة قتل في العاصمة. حيث اهتز سكان بلدية الشراقة الخميس الماضي على جريمة راحت ضحيتها سيدة ذبحها زوجها، ثم قام بذبح نفسه عقب عودتهما من زيارة عائلية، نتيجة خلافات بينهما.

وما زالت الأسباب غامضة، قد تكشف عنها التحقيقات، التي باشرتها مصالح الأمن.

كما أقدم الشاب محمد، المنحدر من العاصمة مساء الأربعاء المنصرم على ذبح نفسه أمام الملأ وهو جالس على كرسي على قارعة الطريق قرب مدرسة في عنابة شرق البلاد، التي فر إليها بعد ارتكابه جريمة قتل في حق شاب يدعى «زكي» بسبب خلاف حول مكان في السوق قرب المركز التجاري «حمزة» في باش جراح. فقد أخرج سكينا وقطع شرايين رقبته وتسبب النزيف الحاد في وفاته!

الحادثة التي تم تصويرها من طرف المارة وتداولها الكثيرون على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي.

فعل التصوير هذا لقي هو الآخر استنكارا وسط الناس، حيث تساءل البعض مخاطبا المصورين للمشهد الانتحاري: «كيف لكم الجرأة على القيام بالتصوير لشخص يذبح نفسه، وليس لكم الجرأة على منعه. ما حال أمه لو رأت فلذة كبدها في تلك الحالة وأخوته كذلك؟! لا حول ولا قوة إلا بالله…»!

هل فقد هؤلاء الإحساس وتجمدت الدماء في شرايينهم وتحولت إلى مياه باردة؟

ترجع بعض التحليلات سبب هذه الجرائم، الى الوضع الاستثنائي، بسبب الجائحة، هذه الأخيرة التي أثرت سلبا على الاقتصاد الوطني، وتراجع الدخل الفردي وانتشرت البطالة نتيجة تسريح عدد كبير من العمال، ما زاد من حدة الفقر وتفاقم الوضع الاجتماعي، وهذا بدوره دفع بعدد من الأشخاص نتيجة الضغوطات النفسية الى ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة.

ناهيك عن جرائم السرقة والاعتداءات بالضرب باستعمال الأسلحة البيضاء من قبل عصابات ومنحرفين، معظمهم خريجو سجون، سبق وان استفادوا من العفو الرئاسي مؤخرا.

وتشير الأرقام الرسمية الى ارتفاع معدل الجريمة في الجزائر خلال الربع الأول من السنة، حيث تم تسجيل نحو ربع مليون جريمة، بمعدل 693 واقعة يوميا.

تضامن واسع مع تلميذتي «تمنغست»

نقلت منصات التواصل الاجتماعي، هبة تضامنية واسعة مع شقيقتين من منطقة أبلسا، التي تقع جنوب شرق مقر ولاية تمنغست (تمنراست) بعد منعهما من الدخول إلى ثانوية «بشير الشيهاني» لاجتياز امتحانات شهادة البكالوريا، وذلك بعد وصولهما متأخرتين عن موعد غلق الباب بعشرين دقيقة.

وتشدد التعليمات الصادرة عن وزارة التربية على ضرورة الوصول إلى مراكز الامتحانات بنصف ساعة قبل الوقت. لكن عندما تتعلق الأعذار بالجنوب والمسافات البعيدة بين كل مركز حضري وآخر، وفي ظل الظروف الاستثنائية هذه، كان بالإمكان أن يحدث الاستثناء، خاصة وأن الامتحانات لم تكن قد بدأت ولا مجال لتسريب الأسئلة، فهل يعقل لأختين مرابطتين على باب الثانوية لتحقيق حلم النجاح والانتقال لمستوى أعلى أن تفكرا في الغش؟!

الحادثة أثارت سخطا كبيرا ضد المتسبب في الحادثة (مدير مركز الامتحان) وتعاطفا كبيرا مع الشقيقتين ووالدهما المسن، الذي عاد أدراجه وابنتاه لينتظر العام المقبل. أمام حالة ممزوجة بالهدوء والاستياء والاحساس بالقهر وبهدوء غير عادي عبر عما حدث، لقناة «البلاد»: «الله غالب إن شاء الله العام الجاي نفرح بكم إذا الله خلاني… ربي يعوض إن شاء الله».

عندما يحدث هذا في الجنوب يزداد الشعور بالمعاناة و»العنصرية» والجهوية. والتضامن جاء من كل الفئات من مثقفين وفنانين، ومن عامة الشعب ممن وجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي مساحات للتعبير عن قضايا لم تكن قبلا في متناول الطرح.

كما نقلت الحادثة «أوراس» تحت عنوان «التضامن الواسع مع تلميذتين في تمنراست اقصيتا من البكالوريا». والسبب يعود لتأخرهما بدقائق عن بداية الامتحان، وفي تصريح لاحداهن قالت إنهما وصلتا متأخرتين بعشرين دقيقة وأبلغهما الحارس بأنهما ممنوعتان من الدخول بسبب الحضور المتأخر. وبعدها تشكلت جماعات وأفراد على منصات التواصل الاجتماعي للتضامن معهما، كل من موقعه وإحساسه وطريقة تفاعله. لكن ككل سنة هناك حالات اقصاء لتلاميذ انتظروا طويلا هذه اللحظات، وخاب أملهم وسحقت أحلامهم بسبب دقائق تأخروا فيها عن اللحاق بزملائهم ومقاعد الامتحانات. ماذا كان مصيرهم؟

وكانت «الشروق» قد أبلغت عن إقصاء 15 ألف مترشح نظامي من البكالوريا دورة يونيو 2017 بسبب الغيابات والتأخرات. إذ حمل وقتها مدير الدراسات في الوزارة المترشحين مسؤولية التأخر، على اعتبار أن الحكومة اتخذت كل الإجراءات لضمان وصول المترشحين في الوقت المحدد، واصفا التأخر بغير المقبول، لا سيما وأن توزيع الممتحنين على مستوى مراكز الإجراء في ولاياتهم يتم بناء على منهجية مدروسة، وقوائم مناداة مضبوطة تأخذ بعين الاعتبار مكان إقامتهم.

وتضيف «الشروق» أن الاستياء من الإقصاء شمل إضافة إلى المترشحين والأولياء الحراس والمؤطرين، إذ وجد العديد من المترشحين النجباء أنفسهم خارج مراكز اجراء الامتحانات بسبب تأخر دقيقة أو دقيقتين.

لكن الخبر الطيب ما تناقلته آخر الأخبار، في صفحات الفيسبوك والمواقع أن هناك أنباء عن إعادة امتحان البكالوريا للطالبتين المقصيتين، حسب ما نقل عن الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات في تمنراست، رغم أن الفصل في هذه القضية يعود للديوان المركزي وللوزارة. لكن جاء التأكيد من مديرية التربية في تمنراست على استحالة اعادة امتحان البكالوريا. وإن صدقت الوعود والنوايا، وهذا ما يتمناه الجميع، فلا بد من أن يشمل القرار كل طلبة الجزائر المقصيين. وإعادة الأمل والحياة لهؤلاء التلاميذ وأن يتنفس الأهل وكل المتضامنين الصعداء والفرحة. وهو أضعف الإيمان والنوايا والوعود.

تشريح جثة «الضحية» إكرام عيسات

عادت قضية وفاة «إكرام» عيسات الزوجة الشابة ذات التسعة عشر ربيعا، إلى الواجهة وبقوة بعد الفيديو، الذي نشرته والدتها وتتحدث على تفاصيل «جريمة قتل» ابنتها، الأمر الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بالتنديد والسخط لما حدث والمطالبة بمعاقبة الجاني أو الجناة. والتضامن مع أسرتها وضرورة أن تنصفهم العدالة.

تقول الأم إن ابنتها تعرضت للضرب والتعنيف من طرف زوجها وأهله، وكسر سنها الأمامي، وضربت ضربا مبرحا، بيد المكنسة، الذي وجدتها مكسورة إلى نصفين، مما ترك آثار بقع زرقاء على جسدها. وإن أحدهم قام بمسك يديها حتى لا تقاوم، إذ وجدت آثار وندوب على ذراعيها. ولم تعالج عند طبيب بحجة أن بها مس بعد شرب ماء الرقية. وأن علاجها يكون بـ»حمام ملون» الشيء الذي رفضته الأم وأصرت على أخذ ابنتها للطبيب، حيث استعانت بزوجها في تغيير ملابسها، فضمها إلى صدره، وأخبرتهم أنها «مقنوطة»(مخنوقة وقانطة) وأن زوجها فاتح ضربها، واستعانت الأم بإخوتها. وأخذوها إلى المستشفى، وهم في الطريق لفظت أنفاسها بعدما أوصت والدتها بابنها وأن تراعيه بعد موتها. واكتشفت الطبيبة أن الوفاة ليست طبيعية وأبلغت الشرطة وقدمت أسرة الضحية شكوى في المحكمة.

وحدث تماطل بسبب محضر الشرطة ونتيجة التشريح وكل واحد يلقي تهمة المماطلة على الآخر (بين الشرطة والمحكمة) حيث اختفى المحضر الأول الذي قدم للمحكمة لمدة خمسة أشهر وهم يبحثون كيف «يفبركون» محضرا مغايرا. فكتبت الأم رسالة إلى وزير العدل، الذي اتصل بالمحكمة. بعدها أبلغها رئيس المحكمة أنه لا يخاف أحد سوى الله. وأبلغها أن نسخة من المحضر ستصلهم في ذلك اليوم، لكن القضية قيدت ضد مجهول والقتل العمدي أصبح وفاة طبيعية، بسبب ورم دموي بعدما غيرت الطبيبة شهادتها أوباعتها بـ 250 مليون سنتيم؟!

لماذا لم تقل الطبيبة إن سبب الوفاة سرطان الدم، تصرخ والدة إكرام. وبعدها تغير كلامها في المحكمة وأن الوفاة نتيجة ورم دماغي. قدمت الوالدة شكوى إلى رئيس المحكمة وأن الزوج قدم الأموال مقابل تغيير نتيجة التشريح، وطلب منها احضار الشهود. لكن الأم مهددة بالصمت أو القتل، كما نشرت في فيديوهات أخرى. وهي لا تقول سوى حسبي الله ونعم الوكيل.

وتطالب الأم بتدخل الرئيس تبون ووزير العدل لحل هذا المشكل وليظهر حق إكرام وترتاح في قبرها.

محكمة «بوفاريك» تقول الأم ليس «دار الشرع» بل «دار الخدع» …»أقولها وأكررها ولو مت…أخذوا عيناي فماذا أفعل بالحاجبي؟!

إكرام ضحية أسرة تواطأت لتدفن حقها في الحياة، وضحية تواطؤ مؤسسات من المفترض أن تحمي كرامة الإنسان وتصون حقوقه، وضحية زواج القاصرات، ولو كان بتصريح من المحكمة.

هذه الأخيرة، التي ردت على التضامن الفيسبوكي بأن الوفاة طبيعية وناجمة عن ورم دموي حاد، ولم تسجل أي آثار عنف على جسدها؟

يبقى الرأي العام ينتظر تحقيقات أعمق بعدما فتح الملف على مصراعيه ثانية.

مقالات ذات الصلة

26 فبراير 2023

تعبئة متواصلة لمراقبة الأسعار وتتبع تموين الأسواق بإقليم ميدلت

26 فبراير 2023

ورزازات.. دعوة إلى السفر في قلب الصحراء

26 فبراير 2023

الاتحاد البرلماني العربي ينتفض بوجه نظيره الأوروبي رافضا نهج الوصاية والاستعلاء اتجاه عدد من الدول العربية

26 فبراير 2023

شركة إسرائيلية متخصصة في تقنية الري بالتنقيط تفتح ثاني مصنع لها بالمغرب