محمد حمضي
في شهر يونيه الأخير والمغرب لم يغادر بعد منطقة الخطر المحدق بمواطناته ومواطنيه بسبب وباء كوفيد19 الذي من بين القطاعات الاجتماعية التي تعرضت لضرباته ، وحاول مسؤوليها لملمة جراحها بضخ نفس قوي في الاجراءات والتدابير الواقية وتنويعها ، نذكر قطاع التعليم . في هذا الشهر الذي كانت الموارد البشرية لوزارة التربية الوطنية منغمسة في وضع مختلف الترتيبات لاجتياز استحقاق امتحانات الباكالوريا ، توصل رؤساء المؤسسات التعليمية عبر التراب الوطني بنسخ من مشروع ” النظام الداخلي النموذجي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي ، المتضمن لميثاق التلميذ ” الذي أعدته مديرية الشؤون القانونية والمنازعات التابعة للوزارة المذكورة .
تعميم المشروع في هذه الفترة الحرجة من سنة دراسية استثنائية بكل المقاييس لم يكن موفقا، خصوصا وأن غاية الوزارة من هذا التعميم هي توسيع دائرة الحوار بين مختلف مكونات المدرسة العمومية ، التي كلما توفرت بيئة مشاركتها الفاعلة والمسؤولة ، كلما كان المنتوج ايجابيا ، ومضمون تفعيل مقتضياته وأحكامه في روحها ومراميها . لذلك تجنبا لما يمكن أن ينتج عن غياب المشاركة الواسعة الفاعلة لمختلف المتدخلين ، يطالب العديد من الأطر التربوية والإدارية وأمهات وآباء وأوليات التلاميذ والجمعيات المؤطرة لهم/ن ، والإطارات الحقوقية المعنية بشكل مباشر بمشروع النظام الداخلي ، إرجاء المصادقة عليه واعتماده من طرف وزارة التربية الوطنية إلى ما بعد الدخول المدرسي ، واستثمار شهري شتنبر وأكتوبر بتنظيم كل مؤسسة تعليمية ندوات ولقاءات تعمق النقاش فيما تحدث عنه المشروع من حقوق وواجبات تلزم كل من هو في حالة تماس بالمدرسة العمومية التقيد بها لجعل هذه الأخير مدرسة مواطنة ، تنتصر للإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص .
في انتظار ذلك ، وبعد قراءة سريعة للوثيقة، استوقفتني بعض المواد الواردة بمشروع النظام الداخلي النموذجي التي تستدعي المراجعة ، لأن اعتمادها قد يفتح أبواب المدرسة العمومية على المجهول ، ويحولها إلى ساحة للصراع الإيديولوجي الذي يحظره المشروع نفسه . والغريب في الأمر تصادف ما شد انتباهي بالنص المذكور ( الهندام اللائق) مع ما عاشته مؤسسة تعليمية بدولة تونس حيث سمح أستاذ لنفسه برفض زميلته مشاركته الحجرة الدراسية أثناء الحراسة تحت مبرر ” لباسها غير لائق ” المشروع الذي أعدته مديرية الشؤون القانونية والمنازعات كرر أكثر من مرة ” الهندام اللائق ” ، وهو يتحدث عن حقوق وواجبات التلميذ(ة) ، والأستاذ(ة) ، وأطر الإدارة التربوية . استعمال فضفاض قد يغرق تأويله حسب الخلفية الإيديولوجية لصاحبه(ها) المؤسسات التعليمية في بحر من الصراعات والمشاكل هي في غنى عنها ، بل قد يسبب ذلك في إيقاظ الفتنة الراقدة التي سيكون أول ضحاياها ما تبقى من صورة المدرسة العمومية المتآكلة ، ناهيك عن باقي مكونات المدرسة العمومية التي يشكل النوع الاجتماعي ، تلميذات وأستاذات من منظور البعض حلقتها الضعيفة .
إن ادراج ” الهندام اللائق ” بمشروع النظام الداخلي النموذجي ، وترسيمه ، من دون الخوض في التطور الذي عرفه لباس البشر عبر التاريخ ، وحسب المناطق والحضارات ، هو مغامرة غير محسوبة العواقب ، لذلك تجاهل الموضوع خير من إثارته في الوقت الراهن ، ويفضل التأكيد على الزي المدرسي الموحد بالنسبة للتلاميذ ، والوزرة بالنسبة للأساتذة والأستاذات .
مادة أخرى وردت بباب واجبات التلميذ ، بالفصل الثاني الخاص بميثاق التلميذ جاء بها ” عدم نشر أو ترويج بأي شكل من الأشكال لخطابات حاطة بالكرامة ، أو محرضة على الكراهية والعنصرية والتمييز على أساس الجنس أو العرق أو الديانة ” . أسباب التمييز المذكورة جاءت ناقصة مع ما هو وارد بتصدير الدستور حيث نقرأ ” حضر ومكافحة كل أشكال التمييز ، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي ، مهما كان ” .
هذا البتر الذي ربما ” سقط سهوا ” لذلك يمكن تدارك ذلك بذكر كل الأسباب الواردة بالدستور . كانت هذه جولة جد قصيرة على تضاريس ” مشروع النظام الداخلي النموذجي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي، المتضمن لميثاق التلميذ ” ، وسنعود لاحقا لإبداء الرأي في محتوى مواد أخرى تتطلب التدقيق والمراجعة ، وذلك كمساهمة متواضعة في الحوار الذي يجب أن يتوسع ليشمل كل المتدخلين بما يخدم الارتقاء بالمدرسة العمومية ، لذلك يعتبر ارجاء هذا الحوار وتكثيفه خلال الأسابيع الأولى للدخول المدرسي ، مطلبا محمودا وموضوعيا .