لا شك أن القارة الإفريقية تواجه اليوم وأكثر من أي وقت مضى تحديات كبرى، تبقى أخطرها تلك المتعلقة بتنامي موجات التطرف العنيف والإرهاب، إذ لا مهرب من خيار ترسيخ قيم العيش المشترك المتمثلة في ثقافة تدبير الاختلاف والتربية على التعايش وحل النزاعات بالطرق السلمية، و الابتعاد عن أنماط التدين المتطرفة، وهو ما يتطلب الاستناد إلى العنصر الديني الوسطي من خلال التعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها وترسيخها.
وفي هذا الصدد، تعمل مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي ت عنى بالتعاون بين علماء المغرب ونظرائهم من باقي البلدان الإفريقية، على توطيد كل ما يحفظ الدين من التشويه والتطرف وما يجعل قيمه السمحة في خدمة الاستقرار والتنمية في هذه البلدان.
وتنخرط المؤسسة بشكل كبير في نبذ مظاهر العنف والتطرف والكراهية في البلدان الإفريقية من خلال بذل جهود كبيرة على المستويين الثقافي والعلمي، للحد من الغلو والتطرف في هذه الأقطار، على أساس نشر ثقافة السلام.
وفي هذا المجال، أوضح الخبير لدى المؤسسة ونائب رئيس جامعة القرويين، محمد أديوان، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، على هامش أشغال الدورة السنوية العادية الرابعة لاجتماع المجلس الأعلى للمؤسسة، أن هذه الأخيرة دأبت منذ تأسيسها على عقد ندوات علمية على المستوى الإفريقي، تشارك فيها فروع المؤسسة، ويتم خلالها تبادل الرؤى والأفكار واقتسام الخبرات الميدانية في مجال مواجهة التطرف وما يرتبط به من مشاكل تعكس نظرة ضيقة للإسلام. وأبرز السيد أديوان أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة رسخت تقاليد ثقافية إفريقية قائمة على نشر أخلاق المحبة والسلام، ورسالة الأديان الخالدة المتمثلة في نشر السلم والتعايش بين الأديان، مضيفا أنه يتم تنظيم هذه الندوات على مستوى الفروع، مما يسهم في خلق حركة كبيرة للتعايش السلمي وتوطيد ثقافة حسن الجوار.
وأشار المتحدث إلى أن مبادئ “الكرم والنجدة والح لم وأخلاق التضامن والتماسك الاجتماعي” تعتبر من الشيم المتأصلة في الإسلام، مضيفا أن “هذه الأخلاق لا تتعلق فقط بالتعامل مع من نعيش معهم داخل المجتمع نفسه أو نتشارك معهم نفس العقيدة، بل حتى مع من تجمعنا بهم الإنسانية، فضلا عن المجتمعات التي تعرف تعدد الطوائف والشعوب.
ومن جهة أخرى، أبرز السيد أديوان أن البلدان الإفريقية، التي تعتبر فروعا لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، “تمثل وحدة في المقاصد فيما يتعلق بالشريعة”، مضيفا أن العلماء الأفارقة واعون بما يقع على عاتقهم من مسؤولية تبليغ الدين بطريقة سلسة، وتحبيبه للناس وتقريبهم منه بأفضل السبل، مع احترام قوانين البلدان وسياداتها”.
وقال إن العلماء الأفارقة يتقيدون بممارسة حقوقهم الثقافية ممارسة منفتحة على الأغيار تتقبل الاختلاف، ويعملون على ترسيخ قيم المحبة داخل هذه المجتمعات المتعددة.
ومن جهة أخرى، أكد السيد أديوان أن التصوف كان دائما صمام أمان للمجتمعات الإفريقية، مشيرا إلى أن التربية الروحية مازالت تضطلع بدور مهم في التقريب بين هذه المجتمعات.
ولفت إلى أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تعتمد على هذا الجانب من الثوابت الروحية في التصوف الإفريقي، لبناء شخصية إفريقية تتفاعل بشكل إيجابي مع محيطها وتزرع فيه الخير، داخل مجتمعات تتوق إلى احترام الآخرين والتعامل الإيجابي مع غير المسلمين، داخل دائرة العيش المشترك، الذي يفترض في أنه يتوافق حوله الجميع، مشددا على أن المشترك الإنساني هو قلب التصوف الذي تعبر عنه وسطية الإسلام، والداعي إلى المحبة والوئام والتآخي والاعتراف بالغير.
وخلص إلى القول إن المجتمعات الإفريقية هي مجتمعات مرتبطة بهذه التربية الروحية وتسعى دوما إلى نبذ العنف والإقصاء وطرق الغلو والتطرف، التي ترفضها البنية الثقافية الإفريقية المجبولة على محبة الآخر.
وكانت مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة قد عقدت الدورة السنوية العادية الرابعة لاجتماع مجلسها الأعلى، يومي 19 و20 أكتوبر بمدينة فاس، والتي عرفت مشاركة 250 عضوا في المجلس الأعلى للمؤسسة، حيث تمت المصادقة على مشاريع اللجان الأربع للمؤسسة برسم سنة 2023، والتداول في ميثاق العلماء الأفارقة.