بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (سورة الحجرات. الآية 6)
من المعلوم أن “التثبت” و “التبين” من أساسيات تلقي الخبر في ثقافتنا الإسلامية، و بالمقابل يعد الإتيان “بالبينة” من أدبيات بل من ضروريات إشاعة النبأ، و إلا فإن إلقاء الكلام على عواهنه، يعد من خوارم المروءة، و ضربا من البهتان يعاب عليه المرء و لا يعتد به.
سياق هذا الكلام أنه يوجد بيننا من يرتدي جلباب الثقافة الإسلامية و يطل علينا برأسه يمضغ كلمة الفساد كما تمضغ العلكة و يرمي بها زملاء أقل ما يمكن أن يثنى به عليهم أنهم أكفاء. و لقد تجاهل مكتبنا النقابي هذه المسألة، و اعتبرنا الحديث عن فساد بعض الزملاء نوعا من التنفيس عن عقد تعود بالأساس إلى تدافع مهني حسمت فيه الأمور لصالح الأكفأ ، لكننا في الآونة الأخيرة لاحظنا بأنه ما عاد بإمكان الجماعة التي تصف نفسها بالنقابة، أن تصدر بيانا أو بلاغا لا تلوك فيه كلمة الفساد بشكل يبعث على السخرية، فلا تقدم دليلا واحدا على ما تدعي، و تجعل من تخميناتها ” حقائق” تستدعي إصدار بيانات، حتى أنها و بدون أي حرج، أصدرت سلسلة بلاغات تتحدث فيها عن فساد ” قد” يشوب صفقة تزمع مؤسستنا عقدها..
و المضحك أكثر أنها جعلت من بين أدلتها على فساد تلك الصفقة التي لم تبرم بعد، عقد النية على مشاركة أحد الزملاء فيها و غياب إحدى الزميلات عنها.. إن مثل هذه السخافات التي تنشر هذه الأيام لا تستحق أي رد، لأن تكذيبها متضمن فيها، فحتى من يدعون أن ثمة فساد يعترفون بأنهم غير متأكدين منه، و لم نصادف حتى يومنا هذا اتهاما بالفساد يضم عبارات من قبيل: “إن ما يزيد من شكوكنا حول شبهات الفساد التي قد تشوب هذه الصفقة” فهل من حكيم يعلم هؤلاء أن الاتهام بالفساد يصاغ بصيغة الجزم ولا ينبني على “قد”.. أن تعرية الفساد تتطلب الجزم لا التخمين.. تتطلب حسم الموقف لا الارتعاد..
أما فيما لو كانت هذه الحملة المسعورة على صفقة لم تبرم بعد، مجرد تعمية و تغطية عن فساد حقيقي مثبت بالأدلة و استدعى تدخل النيابة العامة فنقول لهم إن ما ظهر حتى الآن مجرد شجرة تخفي من ورائها غابة.. و أي تحقيق لا ينبغي أن يتجاهل مصالح كالمحاسبة و الميزانية و تسيير البناية و الجرد و غيرها.. تستركم على فساد بعض من يعاضدونكم أو كانوا أعضاء بنقابتكم لن يغني عنهم في النهاية شيئا.. والفساد يبدأ من تلقي الأجر مقابل الأتاي الصحراوي و الطواجين و المكالمات الهاتفية التي تمتد لساعات، و لا ينتهي عند الاختفاء من مقر العمل لحضور أنشطة سياسية بتغطية من المسؤول المباشر..
هذه مجرد تذكرة لعل الذكرى تنفع المؤمنين، ونحن في مكتبنا النقابي لا ننظر إلى الفساد نظرة تجزيئية فيكون ثمة فساد حلال و فساد حرام.. هاتوا برهانكم و أدلتكم على الفساد الذي تدعون، و ستجدوننا بصفكم نحاربه معكم بل أكثر منكم ، لكن أن تتخذوا من كلمة الفساد مطية لمحاولة تفويت صفقات، مؤسستنا بحاجة حقيقية و موضوعية إليها ، فلا يسعنا إلا أن نذكركم بأن المسؤولين عن مؤسسات الدولة لهم منطق مغاير لمنطقكم الخبزي الذي عبرتم عنه في بيان سابق، تستنكرون فيه “تقديم الحجر على البشر” .. و أن تستنكروا تمرير مثل تلك الصفقة التي تعتبرونها بمنطقكم الصغير ضخمة في ظل الظرفية الاقتصادية التي تمر منها البلاد دليل بؤس تفكيركم و قصر نظركم ، بل دليل استخفافكم بمؤسسة كالمكتبة الوطنية بفرادتها و أهميتها و مكانتها الرمزية في البلاد ..
أما الحديث عن مدى جدة أو قدم البناية فذلك أسلوب طفولي مضحك.. فزمن الأفراد ليس هو زمن المؤسسات، و نتحداكم أن تثبتوا لنا وحدة من وحدات الصفقة المعلومة ليست مؤسستنا بحاجة إليها، فقد مر على البناية التي تصفونها بالجديدة أكثر من عقد من الزمن و شحبت أرضيات قاعاتها و تكسرت كراسيها و تداعى الكثير من نوافدها و أبوابها و اتخذت الأمطار إليها سبيلها، و تسللت الأيادي إلى كاميراتها و حدائقها.. إلخ.. لطالما علمنا كمكتب نقابي أننا لسنا في تدافع نقابي مشروع مع نقابة أخرى، لأن الطرف الآخر الذي يصف نفسه بالنقابة ما هو في الحقيقة إلا خليط هجين من نقابة و جماعة و جمعية و مصلحجية و كوادره مثل الثعلب الذي يظهر و يختفي حسب ميلان كفة المصلحة الشخصية.
أما أن تصل “الخفة” و “الأنانية” بهؤلاء حد العمل بشكل ممنهج على تشويه سمعة المكتبة الوطنية في الإعلام، وذلك لمجرد الانتقام الشخصي لاخفاقات مهنية، ولمجرد مناصبة العداء لأي شيء لا يكون لهم فيه إصبع، فذلك حقا ما نأسف له، لان الذي سيدفع الثمن في الأخير هو المستخدم الذي لن يجد في الأفق مخاطبا يمكنه الوثوق بعدالة مطالبه المشروعة بما في ذلك مطلب النظام الأساسي.
أخيرا وليس آخرا، لان حديث الفساد ذو شجون، ندعو من هذا المنبر كافة المستخدمين للاطلاع على تقرير المجلس الأعلى للحسابات ووضع الإصبع، إن أمكن ذلك، على ما يسميه هؤلاء فساد مسؤول سابق عن البناية، لكن قبل ذلك و لأننا سننشر الفقرة التي تتحدث عن ذلك المسؤول، على صفحة مكتبنا النقابي على فايسبوك، ندعو الجميع للاطلاع على محتويات الفقرة (4. Gestion de la commande publique) من التقرير المذكور و ليسألوا هؤلاء الذين يلوكون كلمة الفساد، من يكون صاحب الشركة société « SOG» المذكورة فيها، و من مهد له طريق تلك الصفقة، ولأي صلة قرابة عائلية تم ذلك. فإذا لم يقدموا عن ذلك جوابا فليعملوا بمقتضى الحكمة القائلة: من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة.
تحية نضالية و دمتم للنضال أوفياء
عاشت الكونفدرالية الديموقراطية للشغل