افتتاحية الدار: معبر اللنبي.. وساطة ملكية من أجل غايات إنسانية بثوابت مغربية

من المهم للغاية الوقوف على الحدث الدبلوماسي الذي مثلته وساطة جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس وأفضت إلى فتح المعبر الحدودي ”اللنبي/ الملك حسين” بين الضفة الغربية والأردن بدون انقطاع. هذا المعبر الذي تم إغلاقه من فترة طويلة وتراكمت بعد إغلاقه الكثير من المآسي الإنسانية بعد أن أصبح السفر بالنسبة للفلسطينيين قطعة من العذاب بسبب التضييق في المعابر والشروط القاهرة التي تفرض عليهم. فتح هذا المعبر سيمثل متنفسا اقتصاديا واجتماعيا للفلسطينيين وخصوصا أنه أصبح بإمكانهم التمتع بحق الوصول إلى هذا المعبر على مدار الساعة. وأهم ما ينبغي التركيز عليه في قراءة هذا الحدث هو البعد الإنساني والعملي الذي ميّز هذه الوساطة الملكية.

هناك درس أساسي ينبثق عن هذه الوساطة، وهو أن العمل الدبلوماسي لصالح القضية الفلسطينية ليس هو إطلاق الشعارات الرنانة ورفع الصوت والركون إلى الظاهرة الصوتية التي تمثلها بعض الهيئات وحتى بعض الأنظمة العربية التي تدّعي أنها تعمل لصالح هذه القضية. القضية الفلسطينية كانت دائما ضحية الشعارات والعناوين الكبرى التي ميّزت للأسف ردحا طويلا من التاريخ العربي في القرن العشرين، عندما كانت بعض الأنظمة العربية القومية تطلق الشعارات وتتبعها للأسف بالهزائم سواء على الميدان العسكري أو السياسي أو حتى الإنساني. الوساطة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس وأفضت إلى فتح هذا المعبر تعبّر عن إرادة مختلفة لا تبحث عن البروز والظهور بقدر ما يسكنها هاجس إنساني محض من أجل التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني.

وهذا فعلا ما ينتظره الفلسطينيون من أشقائهم العرب. الشعب الفلسطيني اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى من يمد إليه يد العون إنسانيا واجتماعيا لتوفير احتياجاته الأساسية وضمان فرص العيش اللائق ومناصب الشغل التي ستضمنها عودة الحركية البشرية من جديد إلى معبر اللنبي الشهير. وقد أقرّ الفلسطينيون شعبا وحكومة وأحزابا بأن هذه المبادرة كانت في محلّها وستعطي للفلسطينيين الذين يعانون من كل أشكال الحصار الكثير من الآمال بإمكانية عودة الحياة إلى طبيعتها وتحقيق حد أدنى من العيش الكريم في أفق تسوية سياسية عادلة وشاملة تضمن للمنطقة السلام والرفاه والتفاهم.

وبينما تحرص بعض الأطراف التي اعتادت المتاجرة بالقضية الفلسطينية على إطلاق مبادرات التصعيد والتأزيم وشعارات العنتريات الجوفاء، فإن المبادرة الملكية تأتي منسجمة تماما مع السياسة التي دأب المغرب على نهجها تجاه القضية الفلسطينية بتشجيع كل مخططات التسوية والسلام، حتى ولو كانت مرحلية ومحلية، لأن الهاجس الرئيسي الذي يحكمها هو الهاجس الإنساني بالدرجة الأولى. لقد لعب المغرب دورا رئيسيا في انتزاع القرار الإسرائيلي بمنح الفلسطينيين حق الوصول على مدار الساعة إلى معبر اللنبي الحدودي. ومن المؤكد أن المغرب استثمر في تحقيق هذا الهدف علاقاته الجيدة اليوم مع كلا الطرفين، سواء مع الحكومة الإسرائيلية التي تجمعها بالمغرب علاقات تاريخية وإنسانية بفضل تواجد جالية كبيرة من اليهود المغاربة، أو مع حكومة السلطة الفلسطينية التي تعتبر المغرب دائما ملاذا للوساطة مع الطرف الإسرائيلي، وتعتز بما تبذله لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس من أجل العاصمة التاريخية لفلسطين ومن أجل القضية الفلسطينية.

ومن صميم هذه المبادرة تنبعث إذن هذه الرسالة السياسية الهامة جدا. نقصد بها ما يعبّر عنه المغرب باستمرار من أن تطبيعه للعلاقات مع إسرائيل، ليس غاية بحد ذاته، بل هو أيضا وسيلة من أجل خدمة القضية الفلسطينية، وأن هذا التطبيع لا يمكن أن يكون أبدا على حساب الحقوق الفلسطينية أو من خلال التفريط في المقدسات العربية والإسلامية. وإذا كان المغرب قد دخل في علاقة تطبيع مع إسرائيل فإنه قد فعل ذلك لأجل مصلحة الفلسطينيين ومن أجل انتزاع المزيد من المكتسبات لصالحهم، مع التأكيد على أهم ثابت من ثوابت السياسة المغربية تجاه هذه القضية، وهو ضرورة الوصول إلى حل الدولتين. عندما كان جلالة الملك يتوسط في هذه المبادرة فإنه كان يفعل ذلك من خلال الحديث إلى دولتين وليس إلى دولة واحدة. دولة تمثلها الحكومة الإسرائيلية ودولة أخرى تمثلها السلطة الفلسطينية.

مقالات ذات الصلة

26 فبراير 2023

تعبئة متواصلة لمراقبة الأسعار وتتبع تموين الأسواق بإقليم ميدلت

26 فبراير 2023

ورزازات.. دعوة إلى السفر في قلب الصحراء

26 فبراير 2023

الاتحاد البرلماني العربي ينتفض بوجه نظيره الأوروبي رافضا نهج الوصاية والاستعلاء اتجاه عدد من الدول العربية

26 فبراير 2023

شركة إسرائيلية متخصصة في تقنية الري بالتنقيط تفتح ثاني مصنع لها بالمغرب