لا أحد اليوم يمكنه أن ينكر مدى تأثير ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، على استقرار وأمن المنطقة وكذا تقدمها وازدهارها. كما أن سعي الجزائر، منذ أكثر من 47 سنة، إلى تأبيد هذا النزاع المفتعل عبر إيواء ودعم مرتزقة البوليساريو، فوّت على المنطقة فرص استغلال مؤهلاتها الطبيعية والبشرية لتحقيق التنمية والتطور، وتضافر كل جهود وإمكانات بلدان المنطقة لبناء تكتل اقتصادي قادر على رفع التحديات والرهانات المطروحة أمام شعوب المنطقة في عالم لم يعد فيه مكان إلا للأقوياء.
ما يجري اليوم في المنطقة، يكشف بالملموس أن السياسة العدائية الجزائرية للمغرب ولمصالحه، تمسّ بالأساس مصالح الشعب الجزائري قبل شقيقه المغربي، وهو ما يتضح من خلال الأوضاع المتأزمة التي تعيشها الجارة الشرقية حيث يصطف المواطنون يوميا في طوابير طويلة للظفر بقسط من المواد الأساسية القليلة أو المنعدمة في السوق بالرغم من الثروات الطبيعية، خاصة النفط والغاز، التي يزخر بها باطن الأرض.
وكذا العزلة القاتلة التي يعيشها النظام العسكري إقليميا وقاريا ودوليا، بعد أن أعلن الحرب على كل الجيران ودخل في صراعات « دونكيشوطية » مع كل العالم، لا لشيء سوى عناده وإصراره المرضي على تقسيم أوصال المملكة المغربية عبر الرهان على « حمار » خاسر(حتى لا نقول حصان)، المتمثل في شرذمة من المرتزقة الذين يقتاتون من ريع النفط والغاز ضدا على مصالح الشعب الجزائري الذي استشاط غضبا وخرج منذ فبراير 2019 مطالبا برحيل النظام العسكري ورموزه الفاسدة.
وفي هذا الإطار، قال تقرير نشرته مجلة « ناشيونال إنترست » الأميركية، المتخصصة في الشؤون الخارجية، إن مفتاح تأمين تدفقات الغاز الجزائري نحو أوروبا يمر عبر دفع كل من الجزائر والمغرب لإيجاد حل لملف الصحراء المغربية.
وأضاف التقرير أن « الجزائر أصبحت معزولة بشكل متزايد » بسبب دعم إسبانيا لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، واعتراف إدارة ترامب بمغربية الصحراء، و »هو ما يجعل اللجوء إلى إمدادات الغاز الطبيعي محفوفة بالمخاطر ».
وأشار التقرير إلى أن الجزائر أغلقت خط الأنابيب المغاربي – الأوروبي الذي يمر عبر المغرب إلى إسبانيا منذ أوائل عام 2022 « ما قلل من قدرتها على إيصال غازها إلى الأسواق الأوروبية، ويأتي هذا في وقت يتزايد فيه الإنتاج الجزائري ».
واوضح التقرير: « إذا كان الاتحاد الأوروبي يأمل في تأمين الغاز الجزائري، فسيتعيّن عليه دفع الجزائر والمغرب للجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الصراع ».
واقترح التقرير على البلدين جعل قطاع الطاقة « نقطة تعاون » بسبب قرب المغرب من إسبانيا ووجود بنى تحتية لنقل الإمدادات، بالإضافة إلى دور الجزائر كثالث أكبر مورد للغاز نحو أوروبا.
وتابع التقرير: « يجب على الدول الأوروبية أن تؤكد على المكاسب الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن تجنيها الجزائر العاصمة عندما تصبح المورّد المفضل للغاز إلى أوروبا، كما يمكن لعبد المجيد تبون، استخدام صفقات الطاقة لاستعادة الانكماش الاقتصادي بنسبة 5.5 في المائة بسبب جائحة كوفيد-19 ».
وأكد التقرير أن المغرب والجزائر يعانيان في الوقت الراهن من انكماش اقتصادي ويحتاجان إلى رأس المال لتنويع اقتصاداتهما، وأن « التعاون بين البلدين في مجال الطاقة – حتى وإن كان محدودا – يصبّ في مصلحتهما ومصلحة أوروبا معاً ».