أكد باحثون وخبراء خلال ندوة فكرية نظمت، مساء أمس الخميس، أن الدينامية الدولية المساندة لسيادة المغرب على صحرائه أصبحت « واقعا ملموسا » تعكسه الكثير من المؤشرات.
وأبرز هؤلاء، خلال هذه الندوة التي نظمتها جمعية الاقتصاديين المغاربة حول موضوع « مستجدات قضية الوحدة الترابية في ضوء الموقف الإسباني الجديد »، أن الدينامية الصريحة والملموسة التي تعرفها قضية الصحراء تعكسها الاعترافات المتزايدة بمغربية الصحراء وافتتاح عدة دول لقنصلياتها في مدينتي العيون والداخلة، بما يؤكد الدعم الواسع الذي يحظى به الموقف المغربي بشأن هذا النزاع المفتعل.
وفي هذا السياق، قال رئيس جمعية الاقتصاديين المغاربة، مصطفى الكتيري إن قضية الوحدة الترابية شهدت مسارات سياسية ودبلوماسية طبعتها مواقف رسمية وشعبية وطنية ودولية وإقليمية كلها عزم وحزم وإصرار على الانتصار النهائي للشرعية والمشروعية التاريخية ولأحقية المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وأبرز في مداخلة افتتاحية الدور الريادي للدبلوماسية الملكية منذ خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس في 20 غشت 2021 بمناسبة الذكرى 68 لملحمة ثورة الملك والشعب، عندما أكد جلالته على أن لا تفاوض على الوحدة الترابية في ظل السيادة الوطنية وأن مقترح الحكم الذاتي يظل الإطار والأساس لإيجاد تسوية نهائية للنزاع المفتعل.
كما شدد جلالته، يضيف السيد الكتيري، على الوضوح في التعامل والتعاون مع البلدان التي تربطها بالمغرب علاقات سياسية ومصالح اقتصادية وتجارية وبشرية، مسجلا أن هذا الخطاب المباشر الصريح والواضح والشجاع لجلالة الملك كان له أكبر الوقع وأبلغ التأثير على الحكومة الإسبانية.
وسلط الضوء على الأهمية الكبيرة لزيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى المغرب، بدعوة من جلالة الملك، مؤكدا أن « العلاقات بين المملكتين المغربية والإسبانية تشهد منعطفا تاريخيا ».
من جانبه، اعتبر رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية و المؤسساتية، محمد بودن، أن الدينامية الدولية المساندة لسيادة المغرب على صحرائه تعكسها الكثير من المؤشرات خاصة بعد الاعتراف الأمريكي التاريخي والذي أحدث خلخلة في البيئة الاستراتيجية بالمنطقة، وأيضا الموقف الألماني المتعدد الأبعاد بحكم مسؤولية ألمانيا التاريخية انطلاقا من مؤتمر برلين 1884 ، خاصة في علاقاتها بالقارة الإفريقية، فضلا عن الموقف الإسباني الذي عكس إدراك إسبانيا لأهمية الصحراء المغربية بالنسبة للمملكة المغربية وأيضا التعبير الصريح والواضح على أن مبادرة الحكم الذاتي هي الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية.
وأكد بودن في مداخلة بعنوان « الدينامية الدولية لدعم سيادة المغرب على صحرائه…قراءة في المنطلقات والأبعاد الاستراتيجية »، أنه في ظل هذه الدينامية الدولية أصبحت المنظومة الأممية على وعي تام بأن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، « سيأخذ بعين الاعتبار خلال جولته الثانية هذه المعطيات الجديدة والتي تمثل عناصر جيواستراتيجية تشكل واقعا جيوسياسيا جديدا »، مسجلا أن ذلك ينضاف لسلسلة من الإنجازات والمكاسب الدبلوماسية التي حققتها المملكة في ما يتعلق بتوسيع دائرة الدول التي لا تعترف بالكيان الوهمي، والتي بلغ عددها اليوم 164 دولة.
وأضاف المحلل السياسي أن هناك اليوم « اعتراف عملي » ينطلق من القانون الدولي ويتعلق بفتح أزيد من 25 قنصلية في الصحراء المغربية من قبل العديد من الدول الإفريقية والعربية وأيضا منظمة دول شرق الكاريبي، مبرزا أن هذا ينسجم مع القانون الدولي خاصة اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963.
وهناك معطى آخر، يردف بودن، يتعلق « بالنفس الديمقراطي في الصحراء المغربية » انطلاقا من المشاركة المكثفة لساكنة الصحراء المغربية في الاستحقاقات الأخيرة والذي مثل حقيقة ما يمكن وصفه حاليا في القانون الدولي ب »تقرير المصير الداخلي تنمويا وديمقراطيا ».
من جهته، قال مدير مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات عبد الواحد أكمير، في مداخلة بعنوان « زيارة السيد بيدرو سانشيز ولحظة التحول التاريخي في العلاقات المغربية الإسبانية » إن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب، مثلت لحظة تاريخية تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين.
وبحسب أكمير فإن هذه المرحلة الجديدة يجب أن تتميز بعنصرين أساسيين يتمثلان في الشفافية والثقة، من أجل تعزيز أهمية محور الرباط-مدريد كأساس جديد في العلاقات الدولية، معتبرا أن هذا المحور هو ثلاثي الأبعاد يتمثل أولا في الربط بين بلدين وثانيا بين قارتين وثالثا بين جنوب وشمال المتوسط .
أما رئيس جمعية ذاكرة الأندلسيين نجيب لوباريس، فأشاد في مداخلة مماثلة حول موضوع « رواسب سياسية وتاريخية في العلاقات المغربية الإسبانية »، بالتطور الذي شهدته العلاقات بين المغرب وإسبانيا مؤخرا، معتبرا أن البلدين تجمعهما أكثر من علاقات دبلوماسية وسياسية إنه « تاريخ طويل مشترك أساسه ومضمونه تداخل وتشارك في عدد من المعالم الحضرية والإنسانية والمعمارية ».
وأضاف أن مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية لا يمكنه إلا أن يكون مشرقا إذا تمت مراعاة مصالح البلدين واحترام ثوابتهما المشتركة « ، مشددا على أنه يتعين على إسبانيا أن تعي أن دعم الوحدة الترابية للمغرب واستقراره يخدم ايضا المصالح المشتركة ويحقق انتظارات شعبي البلدين الجارين في التنمية والازدهار.
وتوخت هذه الندوة بلورة نقاش واسع حول التصورات والرؤى التي تخدم صيانة الوحدة الترابية وتثبيت المكاسب الوطنية وإنهاء النزاع الإقليمي المفتعل منذ ما يزيد عن 46 سنة.