تربط البرتغال، التي نظمت انتخابات تشريعية فاز بها الحزب الاشتراكي، بالمغرب علاقات قوية تقوم على أساس التعاون البناء والمتطور باستمرار في مختلف المجالات خدمة لمصالح البلدين.
ومن المؤكد أن يعطي فوز زعيم الاشتراكيين البرتغاليين، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، أنطونيو كوستا، الذي حافظ دائما على علاقات ممتازة مع المغرب، دفعة جديدة للعلاقات الثنائية في ضوء القضايا والتحديات المشتركة بين البلدين الجارين.
وتعد لشبونة أقرب عاصمة أوروبية إلى الرباط. ويتقاسم البلدان تاريخا ثريا وطموحا مشتركا للمضي قدما في علاقات الصداقة والتعاون.
وإذا كان التراث المعماري البرتغالي على الساحل الأطلسي المغربي يجسد التقارب الثقافي والتاريخي بين البلدين؛ فبالنسبة للمغاربة، تحيل البرتغال على ملحمة المستكشفين ماجلان وفاسكو دا جاما، ورجال الدولة البارزين مثل الراحل ماريو سواريس أو نجم كرة القدم العالمية كريستيانو رونالدو. كما يقدر المغاربة دينامية البرتغال على الساحة الدولية، والأداء السلس لديمقراطيتها وحيوية اقتصادها.
ويعبر المغرب والبرتغال عن إرادة مشتركة للارتقاء بالعلاقات الثنائية الزاخرة تاريخيا والمميزة بالاحترام المتبادل، إلى مستويات أعلى كفيل بتعزيز الحوار السياسي المستمر الذي يجمعهما، وتكثيف التبادلات، واستكشاف مجالات جديدة للتعاون من أجل شراكة استراتيجية متعددة الأوجه تعكس متانة العلاقات بين المغرب والبرتغال لرفع التحديات الإقليمية.
وبالنسبة لسفير المغرب في لشبونة السيد عثمان باحنيني، فقد قام المغرب والبرتغال، طيلة تاريخهما المشترك، ببناء علاقة متينة، تقوم على التفاهم ومراعاة المصالح المشتركة.
وقال إن “كثافة وتنوع هذه العلاقات، فضلا عن آليات التشاور المعتمدة، أضفت طابعا استثنائيا على العلاقة بين بلدينا”، مسجلا أنه بمقدور المغرب والبرتغال القيام بعمل أفضل على المستوى الاقتصادي، بالنظر لكونهما يتوفران على مؤهلات وإمكانيات هائلة ينبغي استغلالها، لا سيما في قطاعات السيارات والنسيج والطاقة المتجددة”.
واعتبر الدبلوماسي المغربي أنه “يتعين علينا إحداث قنوات التعاون الضرورية لتحقيق أقصى استفادة من إمكاناتنا المشتركة، وأوجه التكامل المتبادل بيننا، والاستفادة في هذه المنطقة من البحر الأبيض المتوسط ، من فرص النمو لنصبح معا أبطالا إقليميين للتنافس بجدية مع بعض الاقتصاديات.
وبفضل هذه الدينامية في العلاقات الثنائية، وقع البلدان مؤخرا اتفاقية بشأن تشغيل وإقامة العمال المغاربة في البرتغال، تندرج في إطار دينامية تحديث أدوات الشراكة بين البلدين.
وتتوخى الاتفاقية، التي جرى التوقيع عليها بالأحرف الأولى، عقب اجتماع عبر الفيديو بين وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج السيد ناصر بوريطة، ووزير الدولة والشؤون الخارجية البرتغالي، أوغوستو سانتوس سيلفا، الاستجابة بكفاءة للطلب المتزايد للعمال المغاربة للاستفادة من فرص العمل المتوفرة في النسيج الاقتصادي البرتغالي.
وتهدف الاتفاقية إلى تحديد إجراءات القبول والإقامة المطبقة على المواطنين المغاربة بغرض مزاولة نشاط مهني بجمهورية البرتغال، وكذا تعزيز التعاون بين البلدين في مجال تدبير تدفقات الهجرة النظامية.
واتفق السيدان بوريطة وأوغوستو سانتوس، عقب مباحثاتهما، على جعل الدورة 14 للاجتماع المغربي البرتغالي رفيع المستوى المقرر عقده في البرتغال، مناسبة لإعطاء دفعة للعلاقات الثنائية ترقى إلى مستوى الطموحات المشتركة، من خلال استكشاف فرص جديدة وإرساء الالتقائية في مجال سلاسل القيمة والنهوض بالاستثمارات والتعاون الثلاثي.
وفي المجال الاقتصادي، عزز المغرب والبرتغال علاقاتهما من خلال إنشاء مجلس الأعمال في نونبر الماضي الذي يتوخى إعادة تحديد الأولويات، وتعزيز الإنجازات واستكشاف سبل مبتكرة جديدة من أجل شراكة اقتصادية متقدمة.
وسيتم تعزيز علاقات التعاون والشراكة هذه بين البلدين، لا سيما مع الدينامية الجديدة التي يتوخى المغرب والبرتغال منحها لمشاريع كبرى، والمتمثلة، من جهة، في أول ربط كهربائي بسعة حوالي 1000 ميغاواط، والذي سيسمح لهما بتبادل الكهرباء وتحسين تدبير شبكاتهما، مما يعكس طموح الرباط ولشبونة لبناء “مركز طاقة إقليمي”، ومن جهة أخرى، في خط ملاحي جديد لربط البرتغال بالمغرب.
ويشكل الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب كحلقة وصل بين قارتين وبوابة إلى إفريقيا، وتنفيذ المغرب لمشاريع هيكلة كبرى لمواصلة تطوير بنيته التحتية مثل ميناء طنجة المتوسط، ومشروع القطار فائق السرعة، وكذلك في إنشاء مناطق حرة ومنصات صناعية متكاملة، عوامل تقارب لتحفيز المزيد من العلاقات التجارية بين المغرب والبرتغال، تعطي معنى لتطوير عمليات ترحيل الخدمات، وخاصة، من خلال الاستثمارات المستهدفة التي تعمل على تحسين وضع كل منها في سلسلة القيمة وتقوية أوجه التكامل.
وبالنظر إلى الدينامية الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد المغربي والبرتغالي والتزام البلدين بالتنمية المستدامة من ناحية، والفرص الحالية للشراكة والأعمال التجارية، من ناحية أخرى، تظل آفاق التنمية الاقتصادية الثنائية واعدة.
وفي سجل آخر، يثمن المغرب دعم الجمهورية البرتغالية للمملكة داخل الاتحاد الأوروبي، وموقفها البناء من موضوع الصحراء المغربية والتزامها متعدد الأطراف في إطار الهيئات الدولية تجاه النزاعات في إفريقيا.
وخلال زيارته للمغرب في سنة 2020، أشاد رئيس الدبلوماسية البرتغالية بالدور المهم الذي يضطلع به المغرب في الحفاظ على الاستقرار في منطقة المتوسط والمغرب العربي وإفريقيا، والتي تمثل قضايا “استراتيجية وجيو-سياسية” للبرتغال والاتحاد الأوروبي.