واجهت المملكة، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الأزمة الصحية لكوفيد-19 بكل شجاعة وجرأة واستباقية، سواء من خلال إجراءات الوقاية وتوفير البنيات التحتية الاستشفائية الضرورية، أو على مستوى التخفيف من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجائحة. كل هذه الجهود، تمت وفق مقاربة مغربية خالصة، وتعبئة وطنية لكافة القوى الحية، ركزت فيها بلادنا على إمكاناتها الذاتية وقدراتها المؤسساتية، وهي مقاربة أثبتت نجاعتها وفعاليتها، وحظيت بإشادة دولية واسعة. ومكنت المقاربة المتعددة الأبعاد، لمواجهة تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك، من تقليص الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، وخلق الظروف الملائمة لعودة تدريجية للمواطنين للحياة الطبيعية، في جو من الاطمئنان والسلامة.
وهكذا جاء إطلاق الصندوق الخاص بتدبير جائحة كوفيد-19 الذي تم إحداثه تنفيذا للتعليمات المولوية السامية، كإجراء فعال للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، والمساهمة في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات الأكثر تأثرا بتداعيات فيروس كورونا والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الجائحة.
وضمن الاستراتيجية التي تمت بلورتها لمواجهة هذا الوباء، اتخذت الدولة التدابير الضرورية للحفاظ على الصحة العامة للمواطنات والمواطنين ودعم وتعزيز البعدين الاجتماعي والاقتصادي، في كل المراحل التي مرت منها عملية محاربة هذا الوباء، سواء خلال بداية انتشاره، أو في الفترة الراهنة حيث السعي إلى التخفيف التدريجي من قيود العزلة الصحية عبر رؤية وقرارات واضحة.
كما أن تدبير السلطات العمومية لهذه الظرفية الاستثنائية جعل الوضعية الوبائية متحكما فيها بشكل كبير، وجنب المملكة سيناريو أسوأ خصوصا في عدد المصابين والوفيات.
وقد شكل التلقيح السلاح الفعال لمواجهة انتشار عدوى هذا الفيروس، وضمان أقصى درجات الحماية والوقاية، حيث كان المغرب من الدول السباقة إلى إطلاق عملية التلقيح في نهاية يناير 2021، في احترام تام لمبادئ الشفافية والتطوع والمجانية والتضامن، بعدما رصدت الدولة إمكانيات مالية كافية لضمان الحصول على اللقاح وإنجاح هذه العملية باحترام المعايير المهنية اللازمة وفي إطار تعبئة شاملة للمنظومة الصحية الوطنية.
وقد تم دعم هذه الجهود باعتماد جرعة ثالثة من اللقاح، تبعا لتوصيات اللجنة العلمية الوطنية والتوصيات العلمية العالمية، تعزيزا للجهود الوطنية من اجل ضمان المناعة الجماعية للمواطنين والمواطنات. وبفضل هذه الحملة الوطنية، التي تروم تمنيع الفئات المستهدفة، يجد المغرب نفسه اليوم ضمن بلدان الصدارة إقليميا وقاريا، على مستوى عدد الملقحين، والذين بلغ عددهم إلى غاية 27 يناير الجاري، 4 ملايين و316 ألفا و446 شخصا تلقوا الجرعة الثالثة من اللقاح المضاد للفيروس، فيما استفاد من الجرعة الثانية 23 مليونا و67 ألفا و197 شخصا، مقابل 24 مليونا و650 ألفا و632 شخصا تلقوا الجرعة الأولى.
واليوم، تتعزز جهود تدبير الأزمة الصحية بمشروع مصنع لتصنيع اللقاح المضاد لكوفيد-19 ولقاحات أخرى ببنسليمان، والذي ترأس حفل إطلاق أشغال إنجازه صاحب الجلالة الملك محمد السادس. ويأتي هذا المشروع الواعد، تنفيذا للإرادة الملكية الرامية إلى تمكين المملكة من التوفر على قدرات صناعية وبيوتكنولوجية شاملة ومندمجة لتصنيع اللقاحات بالمغرب، ومواجهة مخاطر ظهور متحورات فيروسية جديدة.
وسيمكن هذا المشروع الذي يعد ثمرة شراكة بين القطاعين العام والخاص، لاسيما بمواكبة من أحد الرواد العالمين في البيو-تكنولوجيا وصناعة التعبئة والتغليف الشركة السويدية “ريسيفارم”، من ضمان الاكتفاء الذاتي للمملكة من اللقاحات وجعل المغرب منصة رائدة للبيوتكنولوجيا على مستوى القارة الإفريقية والعالم في مجال صناعة”التعبئة والتغليف”.
ويأتي إطلاق هذه الوحدة الصناعية أيضا في إطار عزم المملكة الراسخ نحو إرساء سياسة صيدلانية وطنية جديدة، تتماشى مع النموذج التنموي الجديد، بهدف ضمان ولوج عادل لعموم المواطنين المغاربة جغرافيا وماليا، للأدوية والمنتجات الصحية ذات الجودة، ودعم التصنيع المحلي للأدوية في إطار الشراكات القائمة بين القطاعين العام والخاص. كما تأتي هذه الوحدة الصناعية في إطار تعزيز المكاسب التي حققتها المملكة في مجال تدبير الجائحة والتي جعلت منها نموذجا يحتذى على الصعيد الدولي والاقليمي.
وبهذا المشروع، يكون المغرب قد خطى خطوة مهمة، تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، من أجل تعزيز السيادة اللقاحية وتدبير استباقي وفعال للأزمة الوبائية.