يعمل المغرب بكل جهد من خلال اتفاقية تصنيع لقاحات كورونا بهدف تحقيق مساواة عادلة في توزيعها، خاصة ضمن أجندته الواسعة والشاملة لتعزيز دبلوماسية الأمن الصحي في القارة الأفريقية، وذلك في الوقت الذي يدافع فيه كغيره من دول الجنوب من أجل منع التمييز في الحصول على اللقاحات لأسباب مادية.
الرباط – يسعى المغرب ضمن رؤية واسعة وأشمل لتعزيز دبلوماسية الأمن الصحي في أفريقيا ومناطق أخرى حول العالم بعد إطلاق مشروعه الخاص لتصنيع لقاحات كورونا والذي يعدّ مكسبا للرباط لتحقيق الاكتفاء الذاتي والعمل على تحقيق منافع دولية على الصعيد الصحي.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس أشرف قبل أيام على توقيع ثلاث اتفاقيات مع شركة دواء صينية لإنتاج خمسة ملايين جرعة من لقاح كورونا ولقاحات أخرى شهريا باستثمارات حجمها 500 مليون دولار في إطار تعزيز الاكتفاء الذاتي والسيادة الصحية للمغرب.
ويهدف المشروع إلى جعل المغرب منصة رائدة للبيوتكنولوجيا على الصعيدين القاري والعالمي في مجال صناعة “التعبئة والتغليف”، كما يمكّنها من تزويد دول أفريقية بلقاحات كورونا في إطار تعميق علاقات المغرب مع تلك البلدان، ولاسيما في غرب أفريقيا والساحل.
وتدافع الرباط كغيرها من عواصم دول الجنوب من أجل منع التمييز في الحصول على اللقاحات لأسباب مادية، حيث أقرت منظمة الصحة العالمية أن الافتقار للإرادة السياسية وضعف التضامن الدولي هما سبب التأخير والأزمات التي تواجه ضمان توزيع عادل للقاحات المضادة لكوفيد – 19.
وأكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن العالم اختار دبلوماسية النوادي من أجل إيجاد حلول لتحديات الوباء، وأنه في المقابل بدلا من التقويم الجماعي والمنسّق الذي كانت تتطلع إليه شعوب العالم “نجد أنفسنا الآن في خضم عالم أكثر افتقارا للمساواة من أيّ وقت مضى”.
وأوضح بوريطة، خلال مؤتمر وزاري لحركة عدم الانحياز انعقد يومي الـ13والـ14 من يوليو الجاري في باكو أن المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس قرر استخلاص الدروس من الجائحة، حيث أطلق مشروعا للتصنيع المحلي للقاحات كورونا وغيرها من اللقاحات لصالح المغرب والبلدان الأفريقية.
وجاء إطلاق المشروع بعد التوقيع على اتفاقيات مع مجموعة “سينوفارم” الصينية، ومذكرة تفاهم حول إعداد قدرات تصنيع اللقاحات في المغرب مع شركة “ريسيفارم”، بالإضافة إلى التوقيع على عقد مع شركة “سوطيما” المغربية لصناعة الأدوية من أجل تصنيع لقاح “سينوفارم” الصيني المضاد لكوفيد – 19.
ويرى رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة علي لطفي لـ”العرب” أن الاتجاه نحو تصنيع اللقاحات محليا من خلال إنجاز مشروع مختبر مغربي – صيني بمدينة طنجة قصد الإسراع في إنتاج اللقاحات وتسليمها وتقديمها في الوقت المناسب سيكون ضروريا لتقديم المساعدة للدول الأفريقية، خاصة مع إطالة أمد الجائحة والقيود اللازمة لاحتوائها والمعاناة الإنسانية والاقتصادية المرافقة لها.
وفي هذا السياق أوضح رئيس الدبلوماسية المغربية ناصر بوريطة أنه في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن يكون التلقيح شاملا وعادلا والولوج إليه عاملا للمساواة، فإن بعض البلدان حصلت على تطعيم أكثر من أفريقيا بأكملها، وأن لقاحات الجنوب غير معترف بها في الشمال.
وأشار بوريطة إلى أن هذا الأمر لن يضمن فحسب السيادة الصحية للمغرب بل سيضمن أيضا تصدير اللقاحات إلى البلدان الأفريقية الأخرى، وبالتالي تعزيز توجهه كمزود للأمن الصحي في القارة.
ويعمل المغرب من أجل أجندة جديدة تحقق المنافع العامة على المستوى الدولي وخاصة من خلال نظام الأمن الصحي، وهو الأمر الذي أكد عليه الوزير المغربي عبر تحضير بلاده مع رواندا ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي لعقد المؤتمر الوزاري لدبلوماسية الأمن الصحي والاستعداد للوضعيات الطارئة.
وقال وزير الخارجية المغربي إن وضع حركة عدم الانحياز في قلب الجهود متعددة الأطراف لمواجهة التحديات العالمية لا يعني فقط مواجهة التهديدات الجديدة مثل تلك التي يشكلها الوباء، ولكن أيضا الاستجابة للتحديات القديمة التي تركز على الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والأزمة في ليبيا.
وأوضح أن لحركة عدم الانحياز دورا في بناء تحالفات واسعة وتجاوز الانقسامات الأيديولوجية والأفكار التقليدية من أجل التقدم نحو التعددية الموجهة نحو العمل والمبنية على النتائج، والتي تركز على الحلول العملية وتضع مبدأ الإنصاف في صميم جهود النظام متعدد الأطراف من أجل إعادة البناء بشكل أفضل.
وشدد على أن حركة عدم الانحياز، انطلاقا من قيمتي التضامن والعدالة الدوليين اللتين كانتا وراء إنشائها، تتحلى بميزة خاصة تجعلها بمثابة محفز لإصلاح النظام العالمي في حقبة ما بعد كوفيد – 19، مبرزا أن المغرب مستعد للعمل مع الدول الأعضاء في الحركة من أجل تحقيق هذه الأهداف.
ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي هشام معتضد أن معاناة الدول الضعيفة والفقيرة في أفريقيا تترجم مدى هشاشة النظام الدولي في ضمان الحد الأدنى من العدالة الصحية لكل مكونات المجتمع الدولي وغياب الضمير والحس الإنساني في ضبط تدبير الوصول المنصف إلى اللقاحات.
ويهدف المغرب ضمن أجندته الشاملة والواسعة لتحقيق التضامن مع الدول الأفريقية ومساعدتها في الحصول على اللقاح في ظل هذا الوضع العالمي الخاص بتوزيع اللقاحات.
وأكد معتضد في تصريح لـ”العرب” أن الصراع القائم حول ضمان الحصول على الحصص اللازمة من اللقاحات كان على درجة عالية من الشراسة، والذي أدى إلى دخول دول ومن بينها المغرب في حرب حساسة وقوية من أجل ضمان الحصص الضرورية لشعوبها.
وأعرب الباحث المغربي عن اعتقاده أن الحرب المستمرة بشأن اللقاحات والحصول عليها تعبر عن “مدى تخبط الرأسمالية المتوحشة للدول في مطبات جديدة للاإنسانية”، مشيرا في الوقت نفسه إلى تقارير تتحدث عن لجوء بعض الدول إلى أساليب التهديد المباشر أو آليات الضغط السياسي من أجل انتزاع حصص اللقاحات الإضافية التي تحتاجها لتطعيم شعوبها.