محمد حمضي
من جديد تنقلنا الصحافة الوطنية ومنصات التواصل الاجتماعي إلى عمق العالم القروي بإقليم شفشاون للوقوف على كتلة من الفواجع التي تعري المستور الاجتماعي الذي لم تنجح المساحيق في اخفائها.
بالأمس القريب تابع العالم المحنة التي عاشتها المنطقة والمغرب يحرك جبلا من أجل انقاذ الطفل ريان الذي ابتلعه ثقب مائي ،سيتضح فيما بعد بأن الفرشة المائية بالشمال مهددة بالجفاف . والسبب ليس غير التسيب المدفوع الثمن والعشوائية المخدومة ، مما جعل المنطقة تتحول كلها إلى ثقب مائية عميقة !
الفاجعة الاجتماعية الثانية التي تقض مضج ساكنة إقليم شفشاون ، ويتابعها معهم المغاربة بالأيادي على القلوب لأن ” العين بصيرة واليد قصيرة” ، الارتفاع المهول في عدد الأشخاص( شباب ، نساء ، رجال ، قاصرون ، شيوخ ) الذين يُقدمون على الانتحار !ومع عميق الأسف تكتفي السلطات ، وإطارات حقوقية -بغض النظر عن جنسها المدني أو الدستوري-بمتابعة الوضع كباقي المواطنات والمواطنين ، من دون التفكير في الانتقال لمرحلة مسائلة ظاهرة الاعتداء على الحق في الحياة !
اليوم لا صوت يعلو على صوت “فلقة” فقيه باب تازة الذي سيمثل في حالة اعتقال أمام المحكمة الابتدائية بشفشاون ، بعد أن وثق أحدهم في شريط فيديو – اكتسح منصات التواصل الاجتماعي – “وليمة تأديبية” قدم وصفتها الفقيه لأطفال الدوار يعلمهم بكُتّاب قرآني .
وفرة من الكتابات تناولت الموضوع من زوايا متعددة، وأسر الأطفال الذين تم تعنيفهم تنازلوا عن متابعة الفقيه ومن معه ، كما تناقلت ذلك الصحافة الوطنية (ورقية والكترونية ).لكن زاوية ظل محيطها معتما ، ولم تنل نصيبها من كمية الضوء التي تقود للقبض على أسباب استمرار هذا النوع من التربية بالكتاتيب القرآنية بالعالم القروي على امتداد التراب الوطني !رغم أن الورش الحقوقي بالمغرب مفتوح على مصراعيه ، ورغم أن مشتل حقوق الانسان بمشتل ببلادنا تنبت به باقة من آليات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها ، وهي موزعة بين الجمعيات ، والآليات الجهوية التابعة للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ، و….
العنف بالوسط المدرسي بالكاد بدأت المدرسة المغربية تتخلص منه ، فكيف سينجح ” فقيه” هذا الكُتّاب القرآني -وأمثاله يعدون بالمآت-من مغادرة مربع التربية التقليدية ، والانتقال إلى دائرة ثقافة حقوق الإنسان ، بينما صفر مجهود حقوقي لم يبدل معهم(الفقها) للقطع مع ” التربية العتيقة” التي تنتصر لمقولة “العصا لمن عصا” و ” الفقيه يدبح وأنا نسلخ” ؟
الواقع الماثل أمام أعيننا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ، بأن الأشخاص الذين يمتهنون مهنة “الفقيه” لم و لا يستفيدون من أي تكوين حقوقي قد يخلخل ما يعتبرونه ثوابت إسمنتية في مجال التربية ، ويصنفون العقاب الذي يمارسونه على ” المحاضرية” بأنه موصى به دينيا ، لأن في اعتقادهم الراسخ ” العصا خرجت من الجنة ” ، وأن لجوئهم لهذه ” الوليمة العقابية” الغاية منها في مخيلتهم هي بناء مواطن(ة) الغد ، القادر(ة) على مجابهة التيار الجارف الذي يقذف بشباب المغرب نحو المجهول كما يتصورون !.
بتصفح سريع لصفحات ومواقع الجمعيات الحقوقية ، واللجان الجهوية لحقوق الإنسان (12) ، وبعد مراجعة برامج ومخططات عمل جملة من هذه الإطارات الحقوقية ، لم نعثر على قيد أنملة من الاهتمام الحقوقي بهذه الفئة الواسعة التي تسهر على إعداد مغاربة الغد ، ولا التفكير في النهوض بثقافتها في مجال حقوق الطفل ، والتربية على المواطنة وحقوق الانسان ( تنظيم دورات تكوينية للتعريف بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل – حقوق الطفل في دستور المملكة ، حقوق الطفل في مدونة الأسرة ….) . ولا تم يوما تشخيص واقع الفضاءات التي تقدم فيها “الدروس الدينية” ومحتوياتها ، في علاقتها بسن الأطفال ، والقبول بالاختلاط بين الجنسين من عدمه …..!
يحز في النفس اقتصار فاعلين في المجال الحقوقي على تنظيم ندوات ، وتكوينات ، وتقوية القدرات في الفنادق المصنفة و ” البوز كافي” ، و حجز مقاعدهم/ن بالأبراج العاجية ، و” السنطيحة” في رفع نقطة نظام في وجه الدولة من أجل ضمان الحق في العدالة المجالية ، بينما هذه الإطارات نفسها غير مفعلة لهذا المبدأ الحقوقي ( الحق في العدالة المجالية) في مجال أنشطتها التي جزء كبير منها ممول بالمال العام ، حيث تحرم منها عدة شرائح اجتماعية ، وخصوصا بالعالم القروي !
فهل ستلتقط آذان النسيج الحقوقي ، واللجان الجهوية لحقوق الانسان ،والحكومة قبلهم ، رسالة “فلقا” التي ينطبق عليها قوله تعالى ” عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ” رنات الجرس الحقوقي التي تذكر بمهام ومسؤوليات هذه الاطارات في حماية حقوق الانسان والنهوض بها ، وتوسيع انشطة ذات الصلة بالفعل الحقوقي لتشمل العالم القروي الذي يعتبر منبتا لكل أشكال الانتهاكات ؟