(أ ف ب) – أصبحت خديجة العسري مضطرة في الفترة الأخيرة إلى شراء “كميات أقل” من حاجياتها بسبب ارتفاع الأسعار في الأسواق المغربية، ما يضع الحكومة تحت ضغط غضب اجتماعي مع اقتراب شهر رمضان الذي يشهد عادة تزايد الاستهلاك.
خلال تواجدها في سوق حي سيدي موسى الشعبية بمدينة سلا بجوار الرباط تشكو السيدة الستينية من “الارتفاع الكبير في ثمن الخضر والفواكه واللحوم مؤخرا.. أصبحت مضطرة لشراء كميات أقل”، .
تعاني المملكة البالغ عدد سكانها نحو 36 مليون نسمة، منذ العام الماضي مستويات تضخم مرتفعة. وقد تضرر منه خصوصا ذوي الدخل المحدود، بحسب تقرير حديث للبنك الدولي.
ويعزى الوضع إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا وموجة جفاف حاد أثر على أداء القطاع الزراعي الأساسي في النمو الاقتصادي.
لكنه تفاقم ليبلغ 8,9 بالمئة نهاية كانون الثاني/يناير، وفق ما أعلنت المندوبية السامية للتخطيط (رسمية) هذا الأسبوع. وعزته أساسا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بحوالى 17 بالمئة وخصوصا الخضر والفواكه واللحوم.
يشعر المتقاعد عبد السلام المهداوي (63 عاما) أن ما ينفقه أسبوعيا “تضاعف ثلاث مرات”، كما يقول قبل أن يركب سيارته عند مدخل السوق المطلة على المحيط الأطلسي.
ويضيف “الجميع تضرر لكنني أستطيع التحمل.. أفكر في من هم أقل مني، خصوصا مع اقتراب رمضان”.
تعرضت الحكومة الإئتلافية التي يرأسها رجل الأعمال الثري عزيز أخنوش (وسط يمين) بسبب ذلك لانتقادات كبيرة من طرف المعارضة البرلمانية ونقابات عمالية ووسائل الإعلام المحلية فيما نظمت وقفات احتجاجية محدودة في مدن عدة، منعت السلطات جلها.
وأرجعت الحكومة الوضع إلى مضاربات في الأسعار، معلنة تشديد المراقبة في الأسواق.
والخميس الماضي أعلن الناطق باسمها الوزير مصطفى بايتاس تنفيذ أكثر من 64 ألف عملية مراقبة للأسواق منذ بداية العام وحتى 22 شباط/فبراير، ورصد أكثر من 3 آلاف مخالفة.
وأكد الاستمرار في “مكافحة كافة أساليب الغش والاحتكار والمضاربة”.
كذلك تقرر وقف تصدير بعض الخضر إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء “منذ حوالى أسبوعين”، على ما أكد المسؤول في الجمعية المغربية للمصدرين نحو إفريقيا محمد زمراني لوكالة فرانس برس.
لكنه اعتبر القرار “مضرا بمكاسب المغرب الدبلوماسية، ويهدد بالتأثير على مكانتنا في السوق الإفريقية”.
“نأمل الفرج من الله”
بدأ بعض رواد سوق سيدي موسى يستشعرون بتراجع أسعار بعض المواد، آملين الرجوع قريبا إلى المستويات المعتادة.
وتقول لطيفة عند مدخل السوق الممتدة على أرصفة شارع يتوسط بنايات سكنية، “الحمد لله بدأت بعض الأسعار تتراجع، لكن ثمن اللحم لا يزال مرتفعا.. نأمل الفرج من الله”.
اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي (رسمي) أن الإجراءات الحكومية “تبقى غير كافية”، داعيا خصوصا إلى إصلاح منظومة التسويق التي تعاني “حجما مفرطا للوسطاء (…) ما يذكي المضاربة”.
من جهته نبه الباحث في السياسات الزراعية عبد الرحيم هندوف إلى أن الغلاء يعود خصوصا إلى “تراجع العرض بعد ارتفاع كلفة الإنتاج جراء غلاء أسعار البذور والأسمدة، وتداعيات الجفاف الحاد الذي دفع العديد من المزارعين إلى التخلي عن الزراعة هذا الموسم”.
كان المغرب اعتمد في العام 2008 استراتيجية “المخطط الأخضر” الطموحة ساهمت في رفع الإنتاج والصادرات الزراعية.
لكنها أفادت فقط المزارعين الكبار وفق منتقديها، الذين يدعون لمراجعة السياسة الزراعية بتوجيهها أولا نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي.
في سوق سيدي موسى يشكو الباعة أيضا الغلاء، بينما ترتفع أصوات بعضهم من حين لآخر ترويجا لبضاعتهم.
ويقول بائع الفواكه محمد حمالي (53 عاما) إنه بات مضطرا لبيع الأفوكادو بأقل من كلفته مؤكدا “أفضل من أن يظل هنا حتى يتلف!”.
ويرى التاجر الذي يعيل أسرة من ابنين وزوجة عاطلة عن العمل، أن “الوضع يحتم على الحكومة أن تخصص دعما للمحتاجين”.
تصرف الحكومة حاليا دعما غير مباشر لأسعار الغاز والدقيق والسكر.
ويرتقب أن يتم التخلي عن هذا الدعم تدريجا بدءا من هذا العام، في مقابل الشروع في صرف دعم مباشر يستهدف فقط الأسر ذات الدخل المحدود.
ويعول على هذا النظام الجديد المنتظر منذ نحو عقد، لتخفيف الفوارق الاجتماعية والمجالية الحادة في البلاد.
وتراهن المملكة خصوصا على أن يعود النمو الاقتصادي هذا العام إلى 3,1 بالمئة.