موقع فرنسي يتساءل: هل سيتجاوز السيسي أزمة فيروس كورونا وهزات الاقتصاد؟

بينما يتفاقم احتكار الجيش للاقتصاد، تجد مصر نفسها في مواجهة تحديات جديدة؛ من بينها مديونية ضخمة يصعب يوما بعد آخر سدادها، وانهيار السياحة بسبب فيروس كورونا. كما يبدو أن إجراءات الحجر الصحي -التي تأخرت- لن تقدر على وقف الوباء.   كانت هذه مقدمة مقال كتبه جان بيار سيريني في موقع “أوريان 21” الإخباري الفرنسي، واعتبر فيه أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان دائما مهددا بوطأة التداعيات السياسية والاجتماعية لسياسته الاقتصادية والمالية المدمرة وغير المتناسقة، والآن أضيف إلى ذلك فيروس كورونا، الذي أصاب مئات المصريين، وأدى إلى مقتل عدد منهم.   ويرى سيريني أن الخطة التي أعلنتها السلطات المصرية لمكافحة الأزمة غير كافية، ويشير في هذا الصدد إلى أن ما يزيد التحديات على السيسي هو الصعوبات المالية التي تواجهها عائلة آل سعود، التي تمثل السند العربي الرئيسي للسيسي، حسب تعبير الكاتب.   32.5% تحت خط الفقر ويبدأ الكاتب باستعراض واقع الاقتصاد المصري؛ فيشير إلى أنه يبدو لأول وهلة سليما ومعافى، حيث تبلغ نسبة النمو نحو 5%، كما ارتفعت مؤخرا احتياطات النقد الأجنبي، وحدث نوع من الانتعاش أعقب قرضا بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لكن مصر التزمت بموجبه بعدة إجراءات قاسية؛ بينها تخفيض قيمة الجنيه المصري إلى النصف، وتقليص الدعم الموجه للفقراء؛ مما أدى إلى تصاعد نسبة الفقر إلى أكثر من 32% من عدد السكان، البالغ أكثر من مئة مليون نسمة.   ويقول الكاتب إن السيسي بحث منذ وصوله إلى السلطة عن الدعم المالي، الذي جاء في مرحلة أولى من “ممالك الخليج النفطية”، التي حرصت على مساعدة النظام الجديد الذي خلصها من العدو اللدود (في إشارة إلى الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي الذي انقلب السيسي عليه في يوليو/تموز 2013 عندما كان وزيرا للدفاع آنذاك).   وتمثلت المساعدة الخليجية في قروض حكومية وودائع عملة أجنبية في البنوك المحلية واستثمارات عقارية خاصة وعامة. لكن كل هذا لم يسفر عن استقرار الاقتصاد؛ فجاء بعدها صندوق النقد الدولي بعدة قروض على مدى أربع سنوات (2016-2019).     الديون تبتلع العائدات وبعد هذا الاستعراض، يتساءل مقال “لوريان 21” عما إذا كان الاقتصاد المصري صلب العود بما يكفي كي يواجه ديونا مثل هذه؟ ويجيب بأنه إذا تفاقمت الأزمة، فإن احتياطي الصرف -البالغ قيمته 45 مليار دولار- لن يمنح السيسي سوى هدنة قصيرة، وعليه بعدها -طال الأمد أم قصر- أن يواجه المواعيد النهائية لسداد القروض.    ويوضح الكاتب هنا أن الاقتصاد المصري يعتمد على عدة ركائز أساسية؛ هي التحويلات المالية التي يرسلها عشرة ملايين مصري يعملون بالخارج، ورسوم العبور في قناة السويس، وعائدات السياحة، ومساعدات الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تعد الحليف العسكري الأول لمصر، وأخيرا الغاز الطبيعي الذي اكتشفت مصر كميات كبيرة منه مؤخرا.   وحسب الكاتب، فإن إيرادات مصر عام 2019 توضح أن نحو ثلاثين مليار دولار جاءت من تحويلات العاملين بالخارج، وستة مليارات من عائدات القناة، و14 مليارا من السياحة، أما المساعدات الخارجية فهي تتراجع، في حين تتزايد إيرادات الغاز لكنها غير مستقرة.   ويستطرد الكاتب في توضيح حال الاقتصاد المصري فيقول إن أبرز المشاكل أن صادرات مصر لا تغطي سوى ثلث وارداتها، وأن الفشل الذريع لخطة صندوق النقد الدولي تمثل في عدم مساعدة مصر على زيادة حجم صادراتها، التي لم تتجاوز ستة مليارات دولار، مقابل واردات بقيمة 18 مليار دولار.   ويضيف أن آراء خبراء صندوق النقد باتت مختلفة عن قادة الجيش الذين يحكمون مصر؛ فالخبراء يوصون بموجة إصلاحات جديدة تركز على دعم القطاع الخاص، في حين لا يكترث الجيش بالمدنيين، ويفضل بناء عاصمة جديدة في قلب الصحراء بتكلفة مجهولة، تتراوح تقديراتها بين خمسين وثلاثمئة مليار دولار.

نشاط عسكري غير مسبوق ويشير الموقع الفرنسي إلى أن النظام العسكري -الاستبدادي بطبيعته- لا يعتد بشركاء مدنيين، بل لديه على أقصى تقدير زبائن في صفوف عملاء الدولة، يكون وفاؤهم للرئيس حسب المزايا التي يوزّعها.

وقد خرج مدلّلو عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك -أولئك الذين استفادوا من الخصخصة قبل عقدين- من السجون، لكنهم لا يلعبون اليوم أي دور، وعوّضتهم الشركات العسكرية. وفي إحدى المستشفيات الكبرى بالقاهرة تم طرد عدة شركات خدمات تعنى بالمرضى بين عشية وضحاها وحلت محلها شركة عسكرية.   ويلخص جان بيار سيريني فكرته بالإشارة إلى أن حمى النشاط الاقتصادي للعسكر غير مسبوقة، وتمتد إلى قطاعات جديدة؛ مثل استيراد الأدوية، وبناء الطرق السريعة، وتمثل العقارات والمشاريع الكبرى -مثل قناة السويس الجديدة- خيارات مفضلة للضباط، الذين يقودهم الكبرياء الوطني أكثر من الحساب الاقتصادي.    ويحكى الكاتب أن العسكر قرروا في آخر لحظة وضع جسرين للمشاة فوق طريق كبيرة ستمر فوق أحياء القاهرة الشعبية ونهر النيل، لتربط المدينة بالعاصمة الجديدة من دون وجود أي إشارة ضوئية. ولم يكن الهدف من هذا المشروع سوى دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية، واستباق شركة تركية كبرى تسعى لمشروع عملاق مماثل.   ويؤكد المقال أن القطاعات التي تهم الجيش المصري لا تحرك ساكنا لدى البرجوازية المصرية؛ فهؤلاء لا يشترون شققا في المدن الجديدة التي بنيت في قلب الصحراء منذ ثلاثين سنة، ولا شك أنهم سيمتنعون كذلك عن شراء عقارات في “دبي الجديدة”.    ويختم المقال بالتساؤل عما إذا كان الجيش يستطيع التأثير على القطاع الخاص، ويشير إلى أن السيسي أعلن مؤخرا نيته لإدراج عشر شركات تابعة للجيش في البورصة، لكن الكاتب يجيب بأن الأمر يقتضي حدا أدنى من الشفافية في الحسابات، وهي ممارسة غير مألوفة بالنسبة لجزء كبير من المسؤولين المصريين، عسكرا كانوا أو مدنيين.

المصدر : الصحافة الفرنسية


مقالات ذات الصلة

28 فبراير 2023

موجة غلاء جديدة ترهق ذوي الدخل المحدود في المغرب

25 فبراير 2023

إقليم جرسيف.. تدابير استباقية لمواجهة آثار موجة البرد

23 فبراير 2023

الرباط.. إعتقال مسؤول أمني سابق مشتبه بتورطه في قضايا النصب والاحتيال

23 فبراير 2023

صحيفة بلغارية: بيغاسوس عملية دولية لزعزعة استقرار المغرب