لثنائية الجنس والسياسة ترابط مثير، يصل لحد التلازم أحياناً. وكثيراً ما يُستعمل الجنس وقضاياه وما قد يرتبط به من فضائح سلاحاً فتاكاً بالمعارك السياسية الطاحنة التي تجري رحاها في زمن كسر الإرادة، عن طريق الإلهاء وتشتيت الانتباه وإشاعة الصمت بين الجماهير الغاضبة.
سياق الكلام هو ما يعيشه المغرب حالياً من قضايا وأحداث متعاقبة متسارعة، اختلطت فيها قصص الحياة الشخصية لمشاهير مغاربة مع إرهاصات غضب شعبي يخرج تارة من باب فني عبر أغانٍ سياسية أثارت صدمة وجدلاً لا ينتهي، وتارة عبر نشر فضائح فساد واختلاسات بالملايين وتحويل أموال عمومية لفائدة تقاعد البرلمانيين أو لإنقاذ مؤسسات إعلامية مفلسة. قبل مدة يسيرة خرجت أغنية شعبية غاضبة، بجرأة غير مسبوقة مطلقاً. اعتبر كثيرون أن أغنية “عاش الشعب” ليست أغنية بالمعايير الفنية؛ بل تفتقر إلى كل خصوصيات أي عمل فني متعارف عليه؛ بل هي في الواقع وببساطة، صرخة غاضبة تنضاف إلى الصرخات المكتومة التي أصبحت تنتشر بين جماهير كرة القدم من خلال إرسال رسائل سياسية خطيرة وجريئة إلى من يهمهم الأمر.
وسائل التواصل الاجتماعي امتلأت بظاهرة ما يسمى الـ “يوتيوبرز” الذين ينشرون فيديوهات تنتقد كل شيء دون الوقوف عند الخطوط المتعارف عليها بين المغاربة، فيديوهات تحقق أحياناً ملايين المشاهدات؛ وهو ما ينم عن وجود وعيٍ جديدٍ صار يتشكل عكس المألوف.
بيد أن كل هذا وغيره صار يمشي بالتوازي تقريباً مع قصص وفضائح أخرى من نوع خاص، تحظى هي الأخرى بملايين المشاهدات والمتابعات، فالانتشار الواسع لقصة زواج شيخ سلفي مغربي بزوجة خامسة مثلاً، أو الخيانة الزوجية لفنان مشهور، فضلاً عن ظاهرة شهيرة في موقع يوتيوب صارت تسمى “روتيني اليومي”، وهي قنوات لنساء مغربيات صارت تستغل وسائل الإغراء الجسدي والفيديوهات شبه الإباحية لتحقيق ملايين المشاهدات وجني آلاف الدولارات كأرباح. إلى درجة اللجوء إلى فرض ضرائب على صاحبات تلك القنوات، بسبب الأموال الطائلة التي صرن يحصلن عليها، فقط عن طريق الاستعراض شبه الإباحي.
كل هذا دليل على أن النفَس الشعبي العام في المغرب صار خاضعاً إما للغضب الشعبي الذي أضحى يخرج في أشكال صادمة مختلفة تجاوزت كل الخطوط المتعارف عليها، وإما لقصص وفضائح الجنس، التي أبطالها مشاهير الغناء والفن والدين والإعلام؛ بل إن التزامن الغريب لانتشار القصص الجنسية مع كل صرخة شعبية غاضبة من أي جهة، يؤكد أن إبر مورفين الجنس صارت تُحقن بعناية في جسد شعبي صار يتململ بشكل مخيف؛ وذلك لتهدئته وإرجاعه إلى حالة اللامبالاة.
لقصص الجنس فعلاً قوة رهيبة على لفت الانتباه وتغيير مواضيع الساعة، فبسرعة فائقة تُنسى صرخات القهر، وفضائح الملايين المخصصة لتقاعد البرلمانيين المغاربة، أو الأموال العمومية المخصصة لإنقاذ القناة الثانية من إفلاس وشيك، أو الأموال المهربة. لتصبح خيانة زوجية أو زواج غير شرعي أو فيديوهات شبه إباحية تملأ وسائل التواصل عن آخرها. بيد أن السؤال الأهم يبقى طبعاً: هل لمورفين الجنس المهدِّئ فعلاً تلك القدرة على الصمود أمام الغضب الشعبي عندما يصبح القهر والفقر واقعاً لا مناص منه!
أم أن هناك ما يكفي من الحكمة لالتقاط الإشارات والرسائل والاستجابة للفقراء والعاطلين والفئات الشبابية الهائجة، التي لا يبدو أن مهدِّئاً من أي نوع كان قادراً على إيقافها إن بلغ القهر مداه.