شهدت سنة 2023 التي تشارف على نهايتها إطلاق العديد من المبادرات الرامية إلى النهوض بالشأن الثقافي بالمغرب تحت القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، بشكل كرس العناية الملكية الموصولة للثقافة الوطنية متعددة الروافد، وعزز الإشعاع البارز للمملكة إقليميا ودوليا.
فإذا كان المغرب قد شهد خلال السنة الجارية استمرارية في تنظيم التظاهرات الثقافية الكبرى، من قبيل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، والمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، اللذين تتحول معهما المملكة إلى قبلة لكبار المثقفين والفنانين وعشاق الثقافة والفن، فإن هناك محطات أخرى عديدة عرفتها هذه السنة أكدت مرة أخرى على العناية الملكية التي ما فتئ جلالة الملك يوليها للثقافة المغربية ولأهلها ولمختلف روافدها، بشكل يضعها في قلب الرؤية الملكية السامية لمغرب متقدم ومزدهر.
وكان من أبرز هذه المحطات، على سبيل المثال، تفضل جلالة الملك في ماي المنصرم بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية، في تجسيد بليغ للعناية الكريمة التي يوليها جلالته لهذا “المكون الرئيسي للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها” الذي يشكل “رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء”.
والواقع أن هذا القرار الملكي السامي “التاريخي”، الذي حظي بإشادة واسعة النطاق، شكل تجليا جديدا من تجليات الحرص الثابت لجلالة الملك على تكريس صيانة التنوع الثقافي الوطني والاعتزاز بالهوية المغربية التي يشكل المكون الأمازيغي أحد أبرز مكوناتها، ويعتبر النهوض به مدخلا أصيلا من مداخل التنمية الشاملة.
محطة أخرى عكست الإشعاع الثقافي للمغرب عبر العالم خلال سنة 2023، تمثلت في تكريس المرتبة المتقدمة التي تحتلها المملكة من حيث العناصر الثقافية المسجلة على قائمة منظمة (ايسيسكو) للتراث الثقافي اللامادي (8 عناصر جديدة) وقائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) للتراث العالمي للبشرية (عنصر الملحون).
فبفضل هذين الإنجازين اللذين يعدان تكريسا لجهود الحفاظ على التراث الثقافي المغربي بقيادة جلالة الملك، تكون المملكة قد حافظت، على التوالي على المرتبة الأولى على قائمة (ايسيسكو) في العالم الإسلامي، وكذا على موقع الصدارة من حيث التسجيلات الثقافية الأممية على مستوى القارة الإفريقية.
هذا الاعتراف الدولي بجهود المملكة في الحفاظ على التراث الثقافي، تجسد مرة أخرى أيضا خلال سنة 2023 إثر الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز في شتنبر الماضي وتضررت بسببه العديد من المواقع الأثرية والمعالم التاريخية بمدينة مراكش، حيث أكدت (يونسكو) في الأيام القليلة التي تلت الزلزال ثقتها في خبرة المغرب الواسعة والصلبة في مجال حماية التراث وتأهيله، مذكرة بأنها وقعت مع المملكة السنة الماضية، اتفاقية تتيح للبلدان الأفريقية الاستفادة من مهاراته في هذا المجال.
وعلى ذكر القارة الإفريقية، فقد شهدت سنة 2023 أيضا اختتام تظاهرة “الرباط عاصمة للثقافة الإفريقية”، بعد سنة كاملة من الفعاليات الثقافية في مجالات الأدب والشعر والفنون التشكيلية والموسيقى والمسرح والسينما وفنون الشارع والرقص والفنون الرقمية وعروض الأزياء والتصوير الفوتوغرافي، بشكل تحولت معه عاصمة الأنوار إلى واجهة ثقافية تعكس غنى وتنوع الثقافة الإفريقية للعالم.
وتنضاف إلى هذه التظاهرة الإفريقية ذات الصيت العالمي، تظاهرة أخرى تواصلت فعالياتها واختتمت خلال السنة الجارية هي تظاهرة “الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي” التي نظمت بمبادرة من منظمة (إيسيسكو) تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وعكست، بتعبير المنظمة موقع الرباط باعتبارها “مركز إشعاع ثقافي دولي، ووجهة ثقافية وسياحية، تستقطب شرائح واسعة من داخل المملكة وخارجها”.
وقد كان من نماذج هذا الاستقطاب خلال سنة 2023، الإقبال الكبير الذي شهده المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية الذي يحتضنه مقر (إيسيسكو) بالرباط تحت الرعاية السامية لجلالة الملك، حيث زاره أزيد من ثلاثة ملايين شخص منذ افتتاحه في نونبر 2022، من ضمنهم وزراء ودبلوماسيون من إفريقيا والعالم العربي والإسلامي.
والواقع أن مختلف هذه المحطات الثقافية التي شهدتها سنة 2023، وغيرها، إنما تشكل حلقة من سلسلة طويلة من المبادرات والمجهودات التي تشهدها المملكة منذ اعتلاء جلالة الملك العرش، وتنبع من رؤية ملكية متكاملة يمكن تلمس معالمها في مختلف الخطب والرسائل التي دأب جلالة الملك على توجيهها إلى المشاركين في المحافل الوطنية والدولية.
وقد كان من آخر هذه الخطب والرسائل الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك إلى أعضاء أكاديمية المملكة المغربية بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للأكاديمية في إطار هيكلتها الجديدة في نونبر المنصرم، وهي الرسالة التي أكد فيها جلالته أن “تقدم المجتمعات لن يتم من غير نهضة فكرية وثقافية متجددة، ولن يتحقق إلا بتوفر بيئة ملائمة لإنتاج المعرفة، وأن تطور تلك البيئة رهين بمدى إسهامها في تنمية العطاء الحضاري”.
كما أكد جلالة الملك في هذه الرسالة أنه “لا يخفى عليكم أن عالمنا المعاصر يشهد تحولات عميقة على كل المستويات، حيث أصبحت الأواصر الثقافية والفكرية، والحوار الحضاري، تزداد رسوخا، وتعلي من شأن الانفتاح على ثقافات العالم، وإرساء مجتمع المعرفة. ومن ثم، لا يمكن للمغرب، وهو ملتقى الحضارات والثقافات إلا أن يواكب هذا المسار، ويكون فاعلا في ترسيخ ركائزه”