تشكل المساواة أمام القانون إحدى أهم ركائز الديمقراطية ودولة القانون. فكل الدول الديمقراطية تساوي بين مواطنيها في إخضاعهم للقانون ولا تستثني منهم أحدا، بحيث لا تمنح الحصانة الدائمة لكل من تحمل المسؤولية الحكومية أو الرئاسية. لهذا، وتطبيقا لمبدأ المساواة أمام القانون، تمت محاكمة عددا من الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء في كثير من الدول الديمقراطية دون أن تتواطأ أحزابهم على تبرئتهم أو تُتهم الدولُ بالتضييق على الحريات ومصادرة حقوق الأفراد، أو بالانتقام ممن تمت محاكمتهم.
من هنا فإن محاكمة محمد زيان وإدانته بثلاث سنوات سجنا نافذا لا تعتبر استثناء ولا تجعل منه شخصا خارج القانون. ذلك أن الأفعال التي تمت محاكمته على خلفيتها هي أفعال يجرّمها القانون ولا علاقة لها بحرية التعبير أو بالنضال السياسي.
فلا أحد من المواطنين سيقبل على نفسه “إهانة رجال القضاء وموظفين عموميين بمناسبة قيامهم بمهامهم بأقوال وتهديدات بقصد المساس بشرفهم وبشعورهم وبالاحترام الواجب لسلطتهم”؛ كما لن يقبل المواطنون بـ “بث ادعاءات ووقائع كاذبة ضد امرأة بسبب جنسها، بث ادعاءات ووقائع كاذبة بقصد التشهير بأشخاص عن طريق الأنظمة المعلوماتية” خصوصا والهيئات النسائية والحقوقية منخرطة بكل جدية في الحملة الأممية لمناهضة كل اشكال العنف ضد النساء.
هذه أفعال ارتكبها زيان عن عمد كما ارتكب غيرها أشد خطورة، ومنها “التحريض على خرق التدابير الصحية عن طريق أقوال منشورة على دعامة إلكترونية”. ولا يمكن أن يُستثنى زيان من المحاسبة وقد تابع المواطنون أطوار محاكمة “مي نعيمة” التي شككت في وجود فيروس كوفيد 19 وحرضت على خرق التدابير الصحية، وكذلك محاكمة أبو النعيم وإدانته بسنة سجنا نافذا رغم سنه المتقدم.
فالمغرب دولة لها قانون ينبغي أن يسري على الجميع. ومن مسؤوليات الدولة حماية أمن المواطنين وسلامتهم الجسدية. وما تحاول الحسابات الالكترونية المزيفة التي أنشأها الذباب الالكتروني سواء المناصر لزيان أو الذي يستغل قضية محاكمته واعتقاله، الترويج له من أخبار مزيفة وشائعات غايتها تغليط الرأي العام الوطني لا يخدم زيان ولا الوطن. كل هؤلاء المتاجرين بقضية زيان لا تهمهم العدالة ولا المحاكمة العادلة والمساواة أمام القانون وعدم الإفلات من العقاب، وهذه كلها تشكل أسس دولة الحق والقانون التي ينشدها جميع المواطنين. إنما مسعاهم الخبيث من وراء هذه الحملة المسعورة، بالإضافة إلى العمل على تغليط الرأي العام في موضوع محاكمة زيان الذي يريدون أن يجعلوا منه زورا وبهتانا “مانديلا” بيس، التشهير بالمغرب واستهداف مؤسسات الدولة قصد إضعافها ليخلو المجال لأعداء الوطن وخونته والمتآمرين على وحدته الترابية ليعيثوا فسادا وتخريبا على شاكلة ما يقع في عدد من البلدان العربية التي تكالب عليها أعداء الداخل والخارج معا. فمحمد زيان ليس استثناء، وكونه تحمّل سابقا، حقيبة وزارية لن يجعله فوق القانون أو يحميه من أي متابعة قضائية في حالة ارتكابه أفعالا يعاقب عليها القانون.
ذلك أن المسؤولية الحكومية لا تمنح صاحبها حصانة مطلقة وأبدية. وهذا حال محمد زيان الذي اقترف سلسلة من الأفعال التي يجرّمها القانون، وخضع للمحاكمة مؤازرا بدفاعه، في المرحلتين الابتدائية والاستئناف، ولازالت أمامه مرحلة النقض للطعن في الحكم. فمحمد زيان، بأفعاله، أبعد ما يكون عن النزاهة وعن النضال وعن المصلحة العامة. وتكفي هنا الإشارة إلى إبعاد زيان عن هيئة دفاع ناصر الزفزافي بعد نشره أخبارا زائفة عنه كذّبها هذا الأخير بشكل قاطع نافيا أن يكون سلم لزيان رسالة مكتوبة من مداخل معتقله.
نفس الإبعاد لقيه زيان من موكله السابق بوعشرين الذي رفض أن يترافع عنه. فأي مصداقية بقيت لمحمد زيان بعد سلسلة الفضائح التي تورط فيها والمآسي التي تسبب فيها لبعض الضحايا وهو الذي تحمل حقيبة وزارة حقوق الإنسان؟ وكيف يمكن حشره ضمن “معتقلي الرأي” وهو متابع بتهم ثابتة في حقه ومن طرف ضحايا أحياء يرزقون؟ أليس “المشاركة في مغادرة شخص للتراب الوطني بصفة سرية، تهريب مجرم من البحث ومساعدته على الهروب، والتحرش الجنسي” جرائم يعاقب عليها القانون وأدين قبله أشخاص على خلفيتها؟
بعد أن يئس المتآمرون على الوطن في نفي التهم الموجهة لزيان أو تكذيب ضحاياه اللائي أصررن على مقاضاته بتهم التحرش والاستغلال الجنسي، لجأوا إلى مثل هذه الأساليب الدنيئة للتشهير بالمغرب وبمؤسساته الأمنية والقضائية؛ وكان أجدر بهم التركيز على شروط المحاكمة العادلة ومدى احترامها في قضية زيان، ثم المطالبة بإنصاف ضحاياه والاستماع إليهن مثلما يستمعون إلى المساندين له. ومن خبث مسعاهم أنهم يصمّون آذانهم عن الأصوات المطالبة بتطبيق القانون على زيان وعلى غيره من المواطنين تأسيسا لدولة الحق والقانون. ولعل الهاشتاغات المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي: Ziane_la_justice_triomphe # و#الزيان_ التآمري_الفاشل.. دليل قاطع على تعالي الأصوات المطالبة بالمساواة بين المواطنين أمام القانون. إذ من تناقضات أصحاب الحسابات الوهمية والمتآمرين على الوطن أنهم يزعمون الدفاع عن الحقوق وعن الحريات وعن المساواة أمام القانون، وحين يتعلق الأمر بزيان ومن على شاكلته، ينقلبون على مزاعمهم تلك في انحياز صارخ إلى المتَّهمين وخرق سافر لمبدأ عدم الإفلات من العقاب الذي يطالب الديمقراطيون والحقوقيون بالالتزام به حماية لحقوق الضحايا. لا شك أن الذين يشجعون على الفوضى وخرق القانون والإفلات من المحاسبة ومن العقاب لهم أشد عداء للوطن وللشعب.