يعيش الشعب الجزائري تحت رحمة القمع المسلط من طرف نظام العسكر الذي يحكم البلاد منذ انقلاب الهواري بومدين في ستينيات القرن الماضي، وزادت حدة هذا القمع والاعتقالات التي يتعرض لها المعارضون في الجارة الشرقية، بعدما تمكنت المخابرات العسكرية من إفشال الحراك الشعبي الذي انطلقت شرارته في فبراير سنة 2019، والذي أسقط عبد العزيز بوتفليقة وبعثر أوراق العسكر، مما دفعهم إلى اللجوء و الاستنجاد بوجوه العشرية السوداء من ضمنهم توفيق مدين وخالد نزار لإسكات صوت الشعب المطالب برحيل الطغمة العسكرية.
وفي هذا الصدد، أكدت منظمة « مراسلون بلا حدود »، ضمن النسخة العشرين من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي تم الكشف عنه، اليوم الثلاثاء، أن حرية الصحافة في الجزائر، تصطدم بالكثير من الخطوط الحمراء، وأن مجرد إثارة موضوع الفساد وقمع التظاهرات يمكن أن تترتب عنه تهديدات واعتقالات في حق الصحفيين.
وأوضحت « مراسلون بلا حدود » أن المشهد الإعلامي في الجزائر « لم يسبق أن كان متدهورا إلى هذا الحد »: وسائل الإعلام المستقلة تتعرض للضغوط، الصحفيون يطالهم السجن والمتابعات على نحو منتظم كما يتم حجب العديد من المواقع الإلكترونية، مضيفة أن المناخ السياسي « متوتر للغاية »، لاسيما منذ انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في دجنبر 2019.
وشددت المنظمة على أن « الإعلام والصحفيين يتعرضون لضغوط عديدة، تمارس غالبيتها من طرف رئاسة الجمهورية والأحزاب السياسية والأجهزة الأمنية والسلطات المحلية »، مشيرة إلى أنه من « الصعب جدا » على الصحفيين القيام بعملهم بكيفية حرة ومستقلة، بينما تمتلك « السلطة السياسية تأثيرا مباشرا على تعيين وإقالة مديري وسائل الإعلام وسلطات التقنين ».
وبحسب « مراسلون بلا حدود »، فإن التهديدات ومظاهر الترهيب التي يواجهها الصحفيون « تتزايد باستمرار »، في ظل عدم وجود « آلية للحماية »، لافتة إلى أن المراسلين الذين ينتقدون السلطات قد يتعرضون للاحتجاز التعسفي ويخضعون للمراقبة ويتم التنصت عليهم.
وأبرزت المنظمة غير الحكومية أن الصحفيين المستقلين أو الصحفيين المقربين من الحراك، الحركة الاحتجاجية الشعبية التي انطلقت في فبراير 2019، يشكلون هدفا للتهديدات عبر الإنترنت وحملات الكراهية التي يطلقها « الذباب الإلكتروني »، أي الحسابات المجهولة المقربة من السلطة.
وأشارت من جهة أخرى إلى الإطار التشريعي « الذي يزداد تقييدا »، مبرزة أنه بينما تضمن المادة 54 من الدستور حرية الصحافة، فإنها تقيد أيضا نشر المعلومات والآراء التي ينبغي أن تحترم « الثوابت والقيم الدينية والثقافية للأمة »، ما يشكل تهديدا بالنسبة لحرية الصحفيين.
وذكرت بأن إصلاح قانون العقوبات، الذي جرى اعتماده في العام 2020، يجرم نشر « أخبار كاذبة » و »خطاب الكراهية » الذي يهدف إلى تقويض « النظام الوطني والأمن »، وكذا « أمن الدولة والوحدة الوطنية » ويعاقب على ذلك من سنة إلى ثلاث سنوات، موضحة بأن هذه النصوص » توظف بانتظام لمحاكمة وإدانة الصحفيين ».
وأكدت « مراسلون بلا حدود » أنه « وفي هذا السياق، تتعزز الرقابة والرقابة الذاتية ».
وفي ما يتعلق بالسياق الاقتصادي في الجزائر، سجلت « مراسلون بلا حدود » أن القطاع الخاص يعاني منذ العام 2019، وأن العديد من القنوات الإعلامية والتلفزيونية اضطرت للإغلاق، لاسيما بسبب حرمان الهيئات الصحفية من الإعلانات، مضيفة أن « الإعانات الحكومية تمنح فقط لوسائل الإعلام العمومية أو وسائل الإعلام الخاصة المقربة من النظام ».
من جهة أخرى، أشارت « مراسلون بلا حدود » إلى أن البيئة الاجتماعية والثقافية للصحفيين تختلف من الشمال إلى الجنوب. ففي المدن الواقعة بالمناطق الداخلية من البلاد، تتمتع الجمعيات المحلية، المحافظ والجماعات الدينية بسلطة كبيرة وتفرض رقابة على الصحفيين.