وزان : محمد حمضي
قطعت بلادنا أشواطا مهمة باعتماد ترسانة قانونية ، وتنزيل تدابير واجراءات كفيلة بجعل الاستحقاقات الانتخابية لصيف ومطلع خريف 2021 مرحب بما سيفيض عن صناديق الاقتراع، التي مع الأسف يشوب علاقتها بالهيئة الناخبة اختلالا بل “توترا” لا يسمح المجال للوقوف عليه الآن ، ولكن في نفس الوقت الكل يتطلع لرجة ايجابية ، واشارات قوية ، تجود البيئة العامة لسياق اجراء الاستحقاقات الانتخابية ، وتفتح آفاقا رحبة لمواجهة بحماس وطني ، ونفس ديمقراطي ، التحديات المطروحة على بلادنا، في عالم وحدها المصالح تحكم العلاقات بين دوله وتكتلاته. مما لاشك فيه بأن آخر استحقاقات انتخابية (2015/2016) التي عرفتها بلادنا خلف التحضير لها ، والأجواء المحيطة بها ، نقاشا عموميا واسعا ، مما حد من درجة الحماس المنتظرة في التعامل مع ترتيبات المرحلة اللاحقة التي أفرزتها .
بانتقالنا من العام إلى الخاص، أي من الوطني إلى الترابي، فمن دون شك بأن هناك جملة من الممارسات السلبية تم تسجيلها ، تتحملها مختلف مكونات العملية الانتخابية ( الادارة ، الاحزاب السياسية ، المواطنات والمواطنون) ولو بدرجات متفاوتة . تجاوزات الكثير منها نسج تحت جنح الظلام. في هذا الاطار نستحضر و مكونات العملية الانتخابية بالإقليم تتأهب لاستحقاقات صيف وخريف 2021 بعض الممارسات السلبية التي عاشتها الدائرة الانتخابية وزان في الاستحقاقات الماضية ، التي لم تكن كلها ممارسات بريئة ، مما جعل ما أفرزته صناديق الاقتراع محط نزاع قوي بين الفرقاء السياسيين عانت دار الضمانة من مخلفاته الكثير ، وأدت فاتورته من مشروعها التنموي المختل والغامضة مساراته أصلا.
– إذا كانت مسافة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى ، فأول ما استرعى انتباهنا الصمت والبرودة التي تعاملت به التنظيمات الحزبية بالإقليم مع تحفيز الشباب والمواطنات والمواطنين من أجل التسجيل في اللوائح الانتخابية ( ولا بيان ، ولا تحفيز باستعمال وسائط التواصل الاجتماعي). وحسب ما تناهى إلى علم المهتمين ، فقد حصرت الاحزاب السياسية بالإقليم العملية الديمقراطية التي تشكل الانتخابات احدى آلياتها ، في تسجيل من يدور في فلكها المصوتين لصالح مرشحيها . المؤشر السلبي الثاني نلمسه في تعطيل النقاش العمومي الراقي ، والاكتفاء بالتراشق بتبادل الاتهامات ، مع فتح المجال للحملة الانتخابية “السابقة لأوانها” تحت مسميات عدة .
تعطيل النقاش الهادف والراقي، – عملية ليست بريئة ، وضمنيا متفق عليها بين الفرقاء ، حتى لا تظهر للعيان مسؤولية كل طرف ، أغلبية ومعارضة وحتى غير الممثلين بالمؤسسات المنتخبة على مختلف المستويات ، في ما آلت إليه تضاريس الوضع خلال الولاية الانتخابية الحالية التي ستصبح قريبا في عداد الماضي .
– أسابيع معدودة تفصل الهيئة الناخبة عن صناديق الاقتراع ، ولحد الآن لم تعلن التنظيمات الحزبية عن مرشحاتها ومرشحيها بالجماعات الترابية ، وخصوصا بجماعة وزان باعتبارها الجماعة الترابية الوحيدة التي تعتمد الاقتراع باللائحة ، ولأنها كذلك الحاضرة الوحيدة بإقليم يغلب عليه الطابع القروي . بل حتى المعايير المعتمدة في اختيار المرشحات والمرشحين لم يتم الكشف عنها. قد يتساءل البعض بأن الأمر يعتبر شأنا تنظيميا داخليا ، وهي مع الأسف نظرة تقليدية متجاوزة ، وأسطوانة مشروخة ما دام الشأن الحزبي شأنا عموميا بامتياز . فالأحزاب السياسية دورها الدستوري واسع ، كما أنها ممولة بالمال العمومي ، وبالتالي كل حديث عن ” شأن داخلي ” تهريب للمسؤولية خوفا من المحاسبة ، ولا يخدم قيد أنملة مصالحة الهيئة الناخبة مع صناديق الاقتراع ، ناهيك عن اعتبارات لا نود الدخول فيها.
– الهيئة الناخبة عليها مسؤولية تفويت الفرصة على كل من يصطاد في الماء العكر من “المتناحرين” بدل المتنافسين في الاستحقاقات القادمة ، وذلك بصون كرامتها أمام كل الإغراءات، مثل تلك التي عرفتها تجارب سابقة ، وها هي الحصيلة ماثلة أمام العيان بدون مساحيق. إن مستقبل وزان الكبرى الزاخرة بالطاقات البشرية والكفاءات ، الغنية بالرأسمال مادي ولامادي ، في حاجة ماسة لمجالس جماعية قوية بالمصداقية ، وبنزاهة وكفاءة منتخباتها ومنتخبيها على جميع المستويات ، وهذا قرار بيد الهيئة الناخبة التي تحافظ على نظافة صوتها.( عرس ليلة تخمامو سنة) .
الادارة الترابية بكل مستوياتها تعتبر طرفا محوريا في انجاح المسلسل الانتخابي ، لذلك عليها أن تحسن القيادة في المنعرجات ، وأن تتحلى بالشجاعة وتتسلح بالقانون فتشطب على ” هفوات ” التجارب السابقة . ولعل المدخل هو القطع النهائي مع “المعايير المخدومة ” السابقة في اختيار رؤساء مكاتب التصويت ومن معهم ( النهار الزين من صباحو) ، والانتصار للكفاءة والاستقلالية والانضباط للقانون ولا شيئ غير القانون. لذلك الإقليم يعج بالشباب حاملي شهادات عليا يمكنهم انجاز مسؤولية تدبير مكاتب التصويت بصفر هفوة ، شريطة اخضاعهم مسبقا لتكوين قانوني وحقوقي وتقني . إن تشكيل مكاتب التصويت فرصة لتجسيد مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص ، لذلك فالمطلوب هو السعي نحو اسناد رئاسة مكاتب التصويت والعضوية بها للنساء كما للرجال ، ولبعض الفئات ، كالأشخاص في وضعية إعاقة. اختيار ينصرف على الاحزاب السياسية عند تعيين مراقباتها ومراقبيها المكلفين بتتبع عملية الاقتراع .
– توزيع مكاتب التصويت على الدوائر الانتخابية ليست عملية بريئة كما قد يظن البعض. فالبعد والقرب من التجمعات السكانية عملية تحتاج لدراسة دقيقة تستحضر كل التفاصيل. وبما أن الادارة الترابية بقوة القانون تقف على نفس المسافة من التشكيلات السياسية ، ولها دور في جعل نتائج الاقتراع محط التفاف من طرف الجميع ، فإنها مطالبة بأن تستحضر الحكمة الشعبية ” ميات تخميمة وتخميمة ولا ضربة بالمقص”.
– بالنسبة للانتخابات التشريعية التي يرأس أشغالها القضاة ، فإن المحاضر التي يحملها رؤساء المكاتب المعنية من مختلف الجماعات الترابية بالدائرة الانتخابية ، يجب أن تظل مشمعة ولا تسلم لغير القاضي ، وأمام مراقبات ومراقبي المرشحات والمرشحين رفعا لكل الشبهات والتأويلات . وبالمناسبة على الأحزاب السياسية أن تخضع المراقبات والمراقبين التي يمثلونها بمكاتب التصويت لتكوين قانوني حتى لا يتحولوا إلى أدوات تؤثث المشهد .
– جعل مكاتب التصويت خالية من كل جسم غريب مهما كان، واشعار الجميع بعدم استعمال الهاتف النقال باستثناء رئيس مكتب التصويت الذي وحده يحق له التواصل مع الادارة الترابية التي تتتبع عملية التصويت ولا شيئا آخر .
من الظواهر الفجة المسجلة على الطيف المتنافس، إقحام الأطفال في الحملة الانتخابية، سواء بإلباسهم ما يرمز لهذا الحزب أو ذاك، أو الزج بهم في المسيرات، وبالتجمعات الانتخابية….وهي ممارسة يجب القطع معها بصفة نهائية خلال استحقاقات 2021، لأن القانون يمنعها، ولأنها انتهاك سافر لحقوق القاصرين كما هي منصوص عليها بدستور المملكة، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المصادق عليها من طرف المغرب ، وبالتالي فهي تسمو عن القانون الوطني بمنطوق الدستور . عودة للعام إن الذي يحب وطنه وينتصر لثوابته هو من يشارك فعلا في تحصين اختياره الديمقراطي ، الذي تعتبر الانتخابات النظيفة والنزيهة والشفافة إحدى آلياته الأساسية .
لذلك ليس المهم هو ما سيفيض عن صناديق الاقتراع من لون سياسي رغم أهميته حين يكون لهذه الألوان برامج مختلفة ، ولكن الأهم هي البيئة والشروط التي ستمر فيه العملية الانتخابية. قوة المؤسسات المنتخبة ومصداقيتها هو ما تتطلع له بلادنا ، وهذا لن يتأتى إلا بالقطع مع ” شي لعيبات ” يشترك فيها هؤلاء وأولئك ، ناسين أو متناسين بأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس . على بركة الله ينطلق قطار المصداقية ، فلا تعرضوه من جديد للتوقف الاضطراري في زمن فيه لجزء الألف من الثانية قيمته .