تخليدا لخرجات ومواقف النقابي البارز نوبير الأموي خلال ما يقرب من أربعة عقود، صدر كتاب جديد بعنوان “الزمن الاجتماعي بالمغرب”، عن منشورات القلم المغربي.
يضم هذا الإصدار الذي نسقه وقدم له شعيب حليفي ومحمد عطيف، مواقف “في خضم الصراع الاجتماعي بالمغرب خلال أربعة عقود”، في عهدي الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس، انطلاقا مما نشر في جرائد ومجلات محلية وعربية ودولية، من حوارات مع الكاتب العام السابق للكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
ويتصدر هذا الكتابَ اقتباسٌ للأموي يعود إلى شهر فبراير من سنة 1992، مأخوذ من حوار عُنوِنَ بـ”مَن يحكم؟”، يقول فيه: “أعتقد أن المسألة الديمقراطية تبقى أهم التحديات التي سيترتب عنها مصير بلادنا. وإذا فرضت نفسها اليوم، فلأن المشاكل التي تواجه بلدنا وتهدده تهديدا حقيقيا، لا مجال للإفلات منها إلا بتصحيح الوضع اللاديمقراطي ووضع حد للتجارب المغشوشة التي عرفها منذ الستينات إلى اليوم. إن المسألة الديمقراطية لا تحتمل العديد من التأويلات، فليست هناك ديمقراطية بالتقسيط”.
ومن بين الحوارات التي يتضمنها هذا الكتاب، ما نشرته “إلباييس” الإسبانية في 11 مارس سنة 1992، واستُعمل فيه، عند الترجمة، لفظ “منغانطيس”، نقلا للفظ “القطاطعيّة” الدارج (قطاع الطرق أو اللصوص) عند الحديث عن الحكومة، وهو ما قاده إلى محاكمة بارزة، آزره فيها 1300 محام، وحكم عليه فيها بالسجن النافذ.
وقال الأموي في حواره الشهير: “(…) فعلينا أن نتقدم بانتزاع المكاسب من خصمنا بطريقة تدريجية، وهذا هو الصراع لأنه ليست هناك ضربة قاضية، بل عملية تراكم، يوجد فرق شاسع بين صراع المناضل وبين لاعب الورق. فالمناضل يراكم بينما اللاعب يريد الربح السريع، فنحن مناضلون، لكن محاورنا مكون من مجموعة من اللصوص الذين لا مستقبل لهم، ذلك أنهم فقدوا رشدهم ولم يعودوا يعتبروننا مواطنين، فنحن نعتبرهم قراصنة، والأدهى أنهم لن يجدوا في يوم ما الباخرة التي تنقلهم خارج البلاد”.
وجوابا على سؤال للصحافي ماليس فيرناردو، في الحوار ذاته، حول مدى خوفه من قول مثل هذه الأمور، قال الأموي: “بعد الاعتقال المرعب لسنة 1974، لم أعد أخشى شيئا، ذلك أننا بقينا سنة ونصف سنة في مركز الاعتقال السري، وقناعتنا الوحيدة كانت هي أن واجبنا هو أن نتطور. فلو توقفنا أو سكتنا في ذلك الوقت لكانت الوضعية اليوم أسوأ، فقد كنا مدفونين وفي قبورنا دفنّا الخوف. والذي يرغب في تحمل المسؤولية عليه أن يكون مستعدا للمعاناة من نتائجها”.
وجاء في تقديم الكتاب أن الحوارات مع الأموي “اتسمت، باعتراف العديد من الصحافيات والصحافيين الذين حاوروه، بالصراحة، وبخلوّها من أية لغة خشبيّة، مما يسمح بالقول إن التضليل ليس من مزاياه، وهو ما كان يضفي على حواراته مزيدا من الصدق والصراحة والإضاءات المدهشة”.
وأضاف المقدِّمان أن هذه الحوارات تعكس “نصا واحدا من زمن مازلنا نحيا فصوله وتفاصيله، ذلك أن قارئ هذا الخطاب سيعيش تاريخ المغرب الاجتماعي والسياسي بصيغة واقعية وصادقة، وبوضوح فكري. فالأموي، في كل حوار، ينطلق من واقع ملموس، وأحداث جارية، ومرجعية تحكمها الممارسة الفعلية والمعرفة العميقة التي تتطور يوميا”.
ولا تقدم هذه الحوارات فقط “خطابا حول ما جرى” و”خفايا الكثير من الوقائع والأحداث التي طبعت الزمن المغربي خلال العقود الأربعة الخالية”، بل تعطي، وفق المصدر نفسه: “تحليلا متماسكا للمجتمع المغربي، يتخلله استشراف للآتي، ونقد للسياسات والأفعال والسلوكات، خصوصا في ما يتعلق بأهم القضايا التي كانت مدار الصراع والنقاش”.
وتقدم حوارات هذا الكتاب جزءا من “تاريخ المغرب الاجتماعي” انطلاقا من إضاءات على قضايا كانت محل نقاش واسع في مغرب ما بعد الاستقلال حول المسألة الاجتماعية، وأشكال الاحتجاج، وتوقيتها، ومطالبها، والفوارق الطبقية، والانتخابات، وإشكالات القمع. وهي أمور يقول المقدمان للكتاب إنه يمكن اختصارها في “غياب الديمقراطية”، وهو ما أفرز “صراعا له قواعده في ساحات المواجهة، بحكم تنوع النضالات، سواء في ميادين الإنتاج، أو على مستوى الساحة الوطنية، أو في المؤسسة التشريعية”.
ويتضمن الكتاب أيضا حوارات عن “أهم المبادرات والانتصارات التي حققتها الطبقة العاملة المغربية منذ تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، وهي مكتسبات، يقول تقديم الكتاب، لم تكن لتتحقق “لولا تضحيات الطبقة العاملة المغربية وصمودها الملحمي، في لحظات صعبة واستثنائية”.
وذكر حليفي وعطيف، اللذان نسقا هذا الكتاب الجامع لـ”أحاديث نوبير الأموري”، أنه يروي ويحلل ويتأمل في “تواريخ متشابكة، بين تاريخ الصراع الاجتماعي الملتحم مع الصراع السياسي من جهة، وبين تاريخ تشكل معرفة ووعي وخطاب له آلياته التي تستند إلى واقع وتجربة تلتقي فيها سيرة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بسيرة الأموي بسِيَر كل رفاقه في التسيير والساحات والمعامل”.
هسبريس – وائل بورشاشن