يجذب قطب تربية الماشية في الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس مجددا الأنظار ويعد الزوار بغوص رائع في قلب السلالات الحيوانية التي تشكل رموزا للتراث المغربي.
وفي خيمة كبيرة تؤوي المواشي، ينبهر الزائر بالتنوع الحيواني والأجواء القروية النابضة بالحياة، التي تأسر عشاق وهواة اكتشاف السلالات المختلفة.
في هذه الخيمة تختلط رائحة البرسيم والأعشاب والأعلاف بالروائح الحيوانية، مما يسافر بالزائر إلى عالم تربية الماشية. وتتيح المسارات المصممة بعناية للعائلات بالتجول بين الحظائر مع ضمان سلامة الحيوانات المعروضة.
في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، يقول رشيد العرباوي، وهو مربي أبقار من إقليم الخميسات: “أشارك في ملتقى مكناس كل عام، إلا أن دورة هذه السنة مثيرة للإعجاب بسبب تنوع السلالات المعروضة”، معتبرا أن “جودة الفصائل، لا سيما بين الأبقار، تشهد على الجهود الكبيرة التي يبذلها المربون المغاربة”.
ويشكل جناح الماشية نقطة جذب قوية بضمه لعشرات الأنواع من السلالات المحلية والمستوردة. ففي فضاء مصمم بشكل خاص، تثير سلالة (ليموزين) الاهتمام بخصائصها الاستثنائية من حيث شكلها وجودة لحومها، مما يجعلها موضوع النقاش بين المربين ومهنيي قطاع اللحوم الحمراء.
وفي مكان قريب، تجذب عجول (شاروليز) ذات اللون الأبيض المائل إلى البني وشكلها الضخم انتباه الزوار الذين يكتشفون خصائص هذه السلالة الفرنسية التي تتكيف تماما مع ظروف تربية الماشية بالمغرب.
“لقد علمت أن بقرة (هولستين) يمكنها أن تنتج ما يصل إلى 40 لترا من الحليب يوميا، إنه أمر رائع!”، يصرح بدوره محمد (40 عاما)، وهو منبهر بالكم الكبير من الحليب الذي تنتجه هذه السلالة.
ويجذب جناح النعام أيضا العديد من المتتبعين المهووسين بهذه الطيور الضخمة التي يصل ارتفاع بعض الأنواع منها إلى أكثر من 2,5 متر. ويتم عرضها من قبل مربين متخصصين يسلطون الضوء على تنوع أنشطة تربية الماشية في المملكة.
وتحضر في الجناح النعام ذو الرقبة الزرقاء وموطنها جنوب إفريقيا. وتتميز بمظهرها المتغطرس المتوزع بين اللون الأسود عند الذكور والبني الرمادي عند الأنثى. ويشرح المتخصصون الحاضرون للزوار خصوصيات هذا النوع الذي تكيف بشكل ملحوظ مع المناخ شبه الجاف في بعض المناطق المغربية.
يوضح كريم رشدي، وهو عارض ومالك مزرعة تربية النعام بالقرب من أكادير، أن “تربية النعام تشكل فرصة مثيرة لنشاطنا الفلاحي (…). نثمن كل شيء: لحوم غنية بالبروتين وقليلة الدهون، وجلود عالية الجودة، وحتى البيض المستخدم للتزيين”، مضيفا أن الزوار “يتفاجأون عندما يعلمون أن هذا القطاع قائم في المغرب منذ أكثر من عشرين عاما”.
بدوره، لا يقل قطاع الأغنام قيمة من خلال عرض سلالتي (الصردي) و(الدمان) اللتين تعتبران ركيزتين أساسيتين في تربية الماشية على الصعيد الوطني. وتحظى الحظائر التي تضم هذه الأغنام بشعبية خاصة بين الأسر، حيث تجذب الحملان انتباه أصغر الزوار.
وتمثل سلالة (الصردي)، بمظهرها الخاص وصوفها الكثيف، التميز في الإرث الجيني للأغنام المغربية. ويتكيف هذا الصنف مع المراعي شبه القاحلة في المملكة، ويتم تقديمه من قبل مربين متحمسين يشرحون خصائصه من حيث اللحوم الاستثنائية ومقاومته للظروف المناخية الصعبة.
وفي الجوار، تنتصب نعاج فصيلة (الدمان) المعروفة بخصوبة إنجابها، والتي يمكن أن تصل إلى أربعة حملان في الولادة الواحدة، مثالا على التنوع الجيني المتوفر في المغرب.
وتحظى سلالة (بني غيل) المعروفة أيضا باسم (الدغمة)، باهتمام خاص في دورة هذا العام من الملتقى؛ ذلك أن تكيفها مع مناطق السهوب في منطقة شرق المملكة ولحمها المشهور بنكهته الفريدة جعلاها تستحق الحصول على مؤشر جغرافي محمي يسلط المنظمون الضوء عليه من خلال لوحات غنية بالرسوم التوضيحية.
“ابني مفتون بالحملان”، تقول فاطمة، القادمة بمعية أسرتها من فاس لاكتشاف ملتقى مكناس، مضيفة “إلى جانب الترفيه، هي فرصة تعليمية حقيقية، إذ نادرا ما تتاح لأطفال المدن فرصة مشاهدة هذه الحيوانات في حياتهم اليومية”.
ويتم إثراء معرض الماعز هذا العام بسلالة (درعة) التي تتميز بحجمها الصغير وفروتها ذات اللون الأسود اللامع. وتعرف هذه السلالة بموطنها في مناطق الواحات بجنوب المغرب، بخصائص ألبانها وقدرتها على الإنتاج في ظل الظروف المناخية القاسية.
وفي فضاء مخصص لأنواع الدواجن، يكتشف الزوار باهتمام الدجاج المغربي البلدي الذي تم تعزيز مرونته وجودة لحمه من خلال العديد من المشاريع للحفاظ عليه. وتحظى الأصناف ذات الريش متعدد الألوان بجاذبية خاصة لدى المصورين، في حين تؤكد التوضيحات المقدمة على أهمية الحفاظ على هذا الإرث الجيني في مواجهة السلالات التجارية من الدجاج.
وخصص الملتقى في نسخته هذا العام جناحا يعرض مجموعة رائعة من الأرانب العملاقة (فلاندر) التي يزن بعضها أكثر من سبعة كيلوغرامات. وتثير هذه السلالة التي تم إدخالها مؤخرا إلى المغرب فضول الزوار الذين يترددون على الأقفاص الفسيحة حيث يتم عرض الحيوانات في ظروف مثالية ومريحة.
وأهم ما يميز قطب تربية الماشية، حفل توزيع الجوائز الذي يكرم أفضل المربين وأفضل الأنواع في المعرض. وينتظر هذا الحدث، بفارغ الصبر، مهنيون وزوار، حيث يختتم أسبوعا مخصصا للتميز في تربية الماشية على الصعيد الوطني، ليظل أحد أبرز الأحداث في هذه النسخة الرائعة من الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس.
