الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تاريخ ونضال ..الذكرى 43 للتأسيس

بقلم: محمود عبدالرحمن البوعبيدي*

النضال النقابي نضال اجتماعي يأخذ بعده الطبقي السياسي والفكري (الايديولوجي)، ليصطف نضاليا تحت يافطة الصراع الاجتماعي الطبقي، وفق تراتبية التناقضات الاجتماعية : الرئيسي منها،والأساسية الثانوية قريبة الأجآل، و التناقضات الثانوية بعيدة الأجآل، فالتناقض الرئيسيّ يكون الأبرز، وصاحب الأولوية ويسود طيلة مرحلة تاريخيَّة معيَّنة ويتحكم فيها، ويشكِّل حلَّه ضرورة تاريخية للإنتقال إلى واقع تاريخي آخر جديد ويخلي مكانه لتناقض اساسي يزيحة ليتحول هو نفسه الى تناقض رئيسي جديد يتحكم في المرحلة الجديدة.

ففي مرحلة الاستعمار الفرنسي المباشر، فالتناقض الرئيسي كان بين الإستعمار الخارجي الفرنسي، وحلفائه من الطبقة البرجوازية الكبيرة والملاكين العقاريين الكبار الذين ترتبط مصالحهم الاقتصادية والسياسية والفكرية بشكل مباشر وعير مباشر بالوجود والاستغلال الاستعماري. شكل الاستعمار الفرنسي الطرف االرئيسي من التناقض الرئيسي، ضدا على الطرف الثاني للتناقض الرئيسي وهو: أوسع الجماهير المغربية من الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وأوسع طبقات الشعب المغربي الفقيرة المهمشة والبرجوازية الصغيرة والمتوسطة والمهمشين “اللامبن”، و”حفنة” من وطنيي الطبقة البرجوازية والملاكين العقاريين الكبار، مقود هذا الحلف من طرف حركة التحرير الوطني السياسية، والمسلحة كجيش التحرير، والنقابية “الاتحاد المغربي للشغل”،وبعض البرجوازيين والملاكين العقاريين الكبار . اصطفت نقابة “الإتحاد المغربي للشغل.” اصطفافا سياسيا ونقابيا الى جانب القوى الوطنية لمناهضة الاستعمار الفرنسي المباشر وعملائه دفاعا عن المصالح الوطنية الاقتصادية والإجتماعية، والسياسية، والفكرية، فكانت آنذاك المواقف النقابية والسياسية متناسقة وتساير التطور التاريخي الطبيعي. في الوقت الذي تم تراجع الاستعمار الفرنسي واندحاره امام المقاومة الوطنية، وبالتالي حلّ التناقض الرئيسي، وتبدّله،ليحل محله تناقض رئيسي جديد. انتقل من التناقضات الأساسية قريبة الأجل، فتغير الواقع الملموس، وتسلّم مِقْوَد القيادة بالمغرب آنذاك التحالف الوطني المكون من : “الأحزاب الوطنية انذاك (حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال)،وجيش التحرير، وجزء من البرجوازية الكبيرة والملاكين العقاريين الكبار الوطنيين، ونقابة “الاتحاد المغربي للشغل”، و هذا هو الطرف الرئيسي من التناقض، أما الطرف الثاني للتناقض الرئيسي يبقى عموم الشعب المغربي من : الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وطبقات الشعب المغربي المهمشة. وبذا تحولت طبيعة الصراع من صراع تحرر وطني الى صراع اجتماعي طبقي، من أجل بناء الدولة الديمقراطية. وانطلقت فترة صراع طبقي ساخن، وفرز سياسي جديد، تمحور حول السلطة، فتوج الصراع بسيطرة جناح البرجورجوازية والملاكين العقاريين الكبار من التحالف أي جناح “المخزن”، وانطلقت تصفيات جسدية لناشطي الحركة الوطنية وجناحها التقدمي على الخصوص، وكان اهمها تصفية جيش التحرير في العام 1958. بعد وفاة الملك محمد الخامس، واسقاط حكومة الاستاذ عبد الله ابراهيم بداية العام 1960، واعتماد المخزن سياسة “العصا والجزرة”، فاصطفت “نقابة الاتحاد المغربي للشغل” الى جانب حلف قوى “المخزن”، ضدا على طموحات الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء،وعموم طبقات الشعب الفقيرة والمُهمشة، والزعم ان مهمة النقابة هي الدفاع عن المطالب”الخبزية”فقط. وقد نتساءل حول سياسة التحرير الوطني حيث تشمل تحسين الاوضاع المعيشية لأوسع جماهير الشعب،وضمان حريتهم في التعبير وحماية حقوقهم وكرامتهم……وخضوعا لسياسة “العصا والجزرة” “المخزنبة” تنصاع قيادة نقابة ” الاتحاد المغربي للشغل”. وبذلك سحبت البساط من تحت اقدام الطبقة العاملة وحلفاءها من القوى الوطنية التقدمية وانحازت للحلف السياسي الذي تقوده بقايا فلول كومبرادور البرجوازية الكبيرة والإقطاع . في هذا الوقت كانت تتمخض وتتهيكل قوى التغيير والديمقراطية التقدمية 1959، فتشكلت قوى سياسية تتوافق ومرحلة البناء الوطني الديمقراطي، حيث تحول الصراع من صراع وطني تحرري، الى صراع طبقي للبناء الديمقراطي، وتحول التناقض الرئيسي الوطني الى تناقض طبقي بين تحالف قوى “المخزن” من البرجوازية الكبيرة والملاكين العقاريين الكبار كطرف رئيسي اول، ضدا على تحالف قوى الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والطبقات الفقيرة المهمشة، فكان تأسيس “الإتحاد الوطني للقوات الشعبية” سنة 1959، ذو التوجه الشعبي التحرري الاشتراكي، كقوى سياسية منظمة تمثل الطرف الثاني من التناقض الرئيسي المتمثل بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وبقية طبقات الشعب الفقيرة والمهمشة، ويشتد الصراع الطبقي وعدوانيته فتتم محاكمة من تم محاكمته وتشريد من تم تشريده واختطاف واغتيال من تم اغتياله وعلى رأسهم الشهيد المهدي بنبركة بتاريخ 29/11/1965 بباريس وتم اغتياله بمؤامرة متعددة الأطراف رجعيةـ فرنسية ـ صهيونية “اسرائيلية””الموساد”ـ وأمريكية امبريالية. وفي العام 1961 نادت نقابة “الإتحاد المغربي للشغل ” بحيادها، و”استقلالية النقابي عن السياسي”،وتَبَنْي”النقابة الخُبْزِيَة”،الغير معنية بالصراع السياسي، وبالتالي حرمان الطبقة العاملة من أن تلعب دورها في تحديد وتدبير مصيرها، ومصير حلفائها السياسيين والطبقيين من الطبقات الفقيرة والمهمشة في مرحلة مصيرية، مرحلة بناء الدولة الديمقراطية وترتيب الأوضاع الوطنية، فالحياد كان يصب في طاحونة التحالف المخزني، ولا مكان له في هذه المرحلة الحاسمة، وبالتالي رجّحت كفة الصراع الطبقي لصالح قوى الدكتاتورية، والحكم الفردي وهو ما يطلق عليه “الاستعمار الجديد “.

تم ّاختيار المناضل المرحوم محمد نوبير الأموي العام 1963 كمنسق ل”اللّجان العمالية” من طرف المرحوم الشهيد المهدي بنبركة، ومن ثمّ تمّ بناء المركزية النقابية البديل “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”بتكتل08 )ثمانية(فروع نقابية قطاعية منها النقابة الوطنية للتعليم، والنقابة الوطنية للبريد التي أسسها الشهيد عمر بن جلون قيد حياته، فعقدت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل مؤتمرها التأسيسي منذ ثلاثة واربعين سنة) (43بتاريخ : 25 /26نونبر 1978. وجاء في البيان العام الصادر عن مؤتمرها التأسيسي المنعقد بالدار البيضاء، إذ نص البيان العام ضمن ما نص عليه : “ولما كانت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تسعى إلى تنظيم الجماهير العمالية الكادحة في مواجهة الإستغلال والتبعية الإقتصادية، فإنها جعلت من ركائزها الأساسية إحترام الديمقراطية الداخلية ، وتوسيع المبادرات القاعدية المسئولة ، وإعادة الوحدة للطبقة العاملة ، والنضال ضمن الأهداف العامة للحركة التقدمية ببلادنا …”.

أربع قضايا تؤكد عليها فقرة البيان العام : القضية الأولى : تأطير الجماهير العمالية لمواجهة الإستغلال والتبعية الإقتصادية، وهي المهمة التي إنطلقت منذ الإستقلال ولم تتحقق إلى حينه.

القضية الثانية : الديمقراطية الداخلية، فلم يكتفي إجماع الوعي التأسيسي من جعل مصطلح الديمقراطية وسط مصطلحين آخرين لصياغة إسم التنظيم (ك-د-ش) بل أعطاها ، الديمقراطية ، بعدا تنظيميا ناظما للعلاقات الداخلية ، على الأقل كمبدإ عام ، في حين كانت القوى التقديمية واليسارية أسيرة مبدأ المركزية الديمقراطية . القضية الثالثة : الوحدة العمالية باعتباره الطموح الأساس لأي مركزية نقابية مناضلة .

القضية الرابعة : النضال بالإرتباط بالقوى التقديمية . وبهكذا إعلان، أخذت جدلية السياسي والنقابي مسارها الصحيح ، مُعْلنة إكتمال عناصر النضال الوطني الديمقراطي السلمي، كاختيار المرحلة، وتجاوز ثنائية السياسي والنقابي “.

وانبنت كدش على مبادىء خمسة: ـ الديمقراطية. والجماهيرية. والوحدوية. والتقدمية. والاستقلالية. ولتتموقع نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل كتنظيم نقابي عمالي وتنحازالى جانب المصالح الطبقية الوطنية الإقتصادية والسياسية والفكرية للطبقة العاملة وحلفائها من الفلاحين الفقراء وأوسع الجماهير الفقيرة المهمشة. بل وتسعي للمساهمة في جمع شتات وتوحيد القوى الديمقراطية التقدمية وتأسيس جبهة اجتماعية وتوحيد المبادرات النضالية، فاللجنة التحضيرية التي اجتمعت بمقر كدش تجاوز عددها الثلاثين 30 هيئة سياسية ونقابية وجمعوية. فبالضرورة المصالح الاقتصادية”النقابية”. تنعكس كتعبيرات سياسية وفكرية (ايديولوجية)، وتنعكس بدورها على الواقع كتعبيرات اقتصادية واجتماعية. فلا يمكن الحديث عن النقابي دون تَمَثُله وبلورته سياسيا، ولا يمكن الحديث عن السياسي دون بلورته وتمثله اجتماعيا وبالتالي نقابيا. وقد تميزت كدش اضافة لبعدها الاجتماعي الوطني تميزت ببعدها القومي باعتبارها القضية الفلسطينية قضية وطنية لا تعني الشعب الفلسطيني وحده. بل تعتبرها قضية استعمار استيطاني امبريالي، فعبرت منذ تأسيسها عن اضراب عام امساندة ودعم الشعب الفلسطيني في ذكرى يوم الأرض 30/مارس/1979 الذي استشهد خلاله الشهيد الشاب البطل محمد كرينه، وتعتبر القضية الفلسطينية جزء لا يتجزء من اهتمامات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وأنشطتها النضالية. اضافة على المواقف المبدئية المناهضة للإمبريالية والصهيونية الدوليتين، ولن ننسى المناضل مؤسس “النقابة الوطنية للبريد” الشهيد عمر بنجلون الذي اغتالته الأيادي الغاشمة ” المتأسلمة المتمخزنة”، والذي كان يقف سدا منيعا ضد التغلغل الصهيوني بأوروبا. وهو رئيس “جمعية الطلبة المسلمين بشمال إفريقيا” بباريس.

إضافة الى مناهضة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” للتطبيع مع الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني، والموقف التاريخي المشرّف الذي سجّله الفريق الكونفدرالي بمجلس المستشارين وهم يطردون وزير الدفاع الصهيوني الاسبق “عمير بيريس” من تحت قبة البرلمان المغربي بتاريخ 09 أكتوبر2017، وقد تصدي له المستشار الكونفدرالي عبد الحق حِسان الذي توجه “ل عميربيريس” بالقول: “أنت مُجرم ضد الإنسانية قَتَلت الأطفال والأبرياء، ويجب أن تُغادر البرلمان، ونحن نرفض حُضورك وحُضور الوفد المُرافق لك”. هذا غيض من فيض من المواقف المُشرقة، وكدليل لمسار نقابة وطنية ديمقراطية تقدمية مناضلة مدافعة عن حقوق الانسان,ومُناهِضَة للاستعمار الرأسمالي الامبريالي الصهيوني.

21/11/2021 …

*كاتب وفاعل سياسي ونقابي

مقالات ذات الصلة

1 ديسمبر 2022

هل ستحجز وزان موقعها داخل الأيام 16 العالمية لمناهضة العنف ضد النساء ؟

23 يوليو 2022

الاشكالات القانونية للرقابة الادارية على مقررات المجلس وقرارات الرئيس على ضوء القانون التنظيمي للجماعات 113.14

20 يوليو 2022

التنمية الترابية بين الواقع والنظرة المستقبلية

7 يونيو 2022

أهم التحديات المستقبلية : تحدي التعقيد