بحلول اليوم الأربعاء، 10 فبراير 2021، يكون الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد قضى ثلاثة أشهر بالتمام والكمال في رحلة علاج في الخارج، أي نحو ربع فترة حكمه منذ تسلمه السلطة في ديسمبر 2019.
لم تكن هذه البداية موفقة بالنسبة لرئيس جديد، بَشّر بالتغيير وجاء إلى الحكم في ظروف ملتبسة سياسياً ومتوترة شعبياً، وفي بلد كان يعاني أصلاً منذ عام 2013 من أزمة غياب الرئيس وضياع ختم الرئاسة، وكان مأزقه الأساس تداخل خيوط الحكم بعضها ببعض، ما وضعه بين فكي الكارتيل المالي، إلى حد تهديد كيان الدولة ودفعها إلى حافة الانهيار، قبل أن يحدث الانفجار الشعبي وثورة الشارع.
لم تهدأ ثورة الشارع بعد، ومخطئ من يعتقد أن الغضب الشعبي عاد إلى قمقمه، أو أن الوضع استوى للسلطة لمجرد سنّ قانون أو تنظيم انتخابات. الأسباب والعوامل نفسها التي فجّرت غضب الجزائريين عام 2019، ما زالت قائمة بعد عامين من الحراك، والتظاهرات الأخيرة في أكثر من ولاية ومنطقة، ليست سوى “بروفة” أولى تؤشر على عودة ممكنة للجزائريين إلى الشارع، سواء لأسباب سياسية تتصل بعمق المطلب الديمقراطي، أو لمطالب اجتماعية، بعدما راكم الفشل الفادح للحكومة مزيداً من الاحتقان.
ومن الواضح أن الحراك الشعبي العائد، لم يستكمل استحقاقاته السياسية في حدها الأدنى، كملف الحريات، كما أن السلطة لم تقرأ اللحظة بشكل صحيح ولم تقدّم عرضاً مقبولاً للمجتمع السياسي والمدني سوى مقاربة “البوليس والقضاء”. إذ أن هناك شعور مشترك لدى الجزائريين بأن ما تقدّمه السلطة على المستويين السياسي والاجتماعي، لا يؤمن من خوف ولا يسمن من جوع، بل إن الخوف على مستقبل البلد زاد أكثر مما كان عليه في السابق، في ظل إعادة إنتاج نفس مقولات الحكم ومقاربات تدبير الشأن العام وتفسير الديمقراطية بالانتخابات فحسب.
في كل الأحوال، لن يكون ممكناً للبلد الاستمرار على هذا النحو، هناك أزمة حكم حقيقية لا يمكن لخطاب “العدو الخارجي” الذي تتبنّاه السلطة التغطية عليها، وهناك أزمة مشروع سياسي غائب لا يمكن تعويضه بالحلول البيروقراطية أو النهج الأمني، وهناك أزمة ثقة لا يمكن للجيش معالجتها “باستعراض قوة”.
الإنصات قيمة، والجزائر بكل أزماتها المعقّدة، تحتاج إلى سلطة تجيد الإنصات لكي لا تتكرر الأزمات ويدور البلد في حلقة مفرغة ويخسر مزيداً من الوقت الثمين، والجزائر بحاجة إلى رئيس مقتدر لا يعوزه عجز، وإلى حكومة إنجاز، وقبل ذلك مشروع تغيير واضح المعالم والخطوات تنتجه حوارات الطاولة المستديرة. وإذا لم تكن للسلطة القدرة على الاستماع لدعوات التعقل والحوار، ولم تكن لتبون القدرة على مواصلة الحكم، فليس عليه أكثر من رد الأمانة إلى أهلها.