فيدرالية اليسار الديمقراطي
الهيئة التنفيذية
مذكرة حول رفع الحجر الصحي وخطة إنعاش
الاقتصاد الوطني ومشروع القانون
خلفت جائحة كورنا تداعيات صحية واقتصادية واجتماعية كبيرة على كل دول العالم وعلى بلدنا كذلك، فالأزمة الاقتصادية التي سيعيشها العالم تعتبر الأصعب منذ أزمة 1929. لكن هذه الجائحة أعادت النقاش حول مجموعة من الاختيارات التي سادت ووجهت السياسات العمومية لعقود بخلفية نيوليبرالية متوحشة وفضحت نتائجها المدمرة على الإنسان والطبيعة، لقد كشفت هذه الأزمة واقع التفاوتات الاجتماعية، وأبرزت كذلك قيمة قطاعات اجتماعية وخدمات عمومية عانت التهميش والتفكيك لعقود.
إن فيدرالية اليسار الديمقراطي تؤكد على أهمية القرارات الاستباقية التي اتخذتها بلادنا والتي كان لها الأثر الكبير في تجنيب بلادنا كارثة صحية، بالإضافة لموقع المغرب جنوب البحر الأبيض المتوسط حيث كان الفيروس أقل حدة. وإن كانت هذه القرارات على المستوى الاستراتيجي ايجابية، فإن تدبيرها عرف عدة انزلاقات.
لكن الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجائحة على بلادنا ستكون غير مسبوقة على اعتبار أن الدول التي تعتبر شريكة للمغرب على مستوى التصدير والسياحة والاستثمار المباشر وتحويلات المهاجرين وخاصة فرنسا، اسبانيا وإيطاليا، هي التي ستتأثر أكثر اقتصاديا. كما أن القطاعات التي يعتمدها المغرب في اقتصاده وصادراته ستكون أكثر تأثرا كذلك (السياحة، تحويلات المهاجرين، صناعة السيارات، صناعة أجزاء الطائرات صناعة النسيج) بالإضافة إلى أن بلادنا تعرف سنة جفاف مما سيكون لذلك من تأثير كبير على نسبة النمو وارتفاع نسبة البطالة وتدهور المالية العمومية وكذا تفاقم عجز الميزان التجاري وميزان الأداءات وانعكاس ذلك على موجودات المغرب من العملة الصعبة.
إننا في فيدرالية اليسار الديمقراطي نقدر خطورة الأزمة، وصعوبة المرحلة، ولكن في نفس الوقت نعتبر أن هذه الأزمة تمثل فرصة لتحقيق انطلاقة جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، شريطة القطيعة الواضحة مع الاختيارات السابقة التي تبين فشلها حتى قبل الجائحة، والتي بسببها ظلت البادية المغربية والمناطق الجبلية مهمشة وتفاقمت الفوارق الاجتماعية والمجالية وعانت القطاعات الاجتماعية من الاختلالات العميقة والخصاص المهول سواء في التعليم أو الصحة أو السكن أو التشغيل أو النقل العمومي وباقي الخدمات الضرورية للعيش الكريم.
فالجواب على هذا الوضع يتطلب القطع مع المقاربات التقليدية المبنية على البحث عن التوازنات الماكرو اقتصادية كما عرفتها بلادنا منذ عقود، خصوصا واليوم هناك شبه إجماع عالميا على ضرورة تجاوز هذه المقاربات.
انطلاقا مما سبق فإننا في فيدرالية اليسار الديمقراطي نقترح عليكم ما يلي:
- تدبير رفع الحجر الصحي:
- نؤكد على الرفع التدريجي للحجر الصحي، حسب وضعية الجهات والأقاليم، وحسب طبيعة القطاعات الإنتاجية والخدماتية، وفق تصور شامل ونسقي.
- توسيع الكشف الطبي، والاستعداد لأي تحول مفاجئ، وتوفير كل الإمكانيات والشروط الاحترازية (تعقيم أماكن العمل والفضاءات العمومية، توفير الكمامات بكميات وافرة…) فرفع الحجر الصحي أصبح ضرورة اقتصادية، لكنه، لا يمكن الاعتماد فقط على السلوك المدني للمغاربة، بل يتطلب الاستعداد الجيد لضمان السلامة الصحية للجميع، وتفادي الانتشار السريع للوباء داخل المعامل والإدارة والقطاع غير المهيكل عبر إلزامية تطبيق إجراءات الصحة والسلامة وتقوية جهاز التفتيش. وكذلك وجب توفير المعلومة بدون تهويل والطمأنة الزائدة عن الحدود حتى تستمر اليقظة واحترام تدابير الصحة والسلامة.
- II. – خطة إنعاش الاقتصاد الوطني
لقد أظهرت هذه الجائحة الدور الاستراتيجي للدولة، ومهامها الاستراتيجية في تحقيق ما يمكن تسميته بثلاثية السيادة الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي والتنمية المستدامة. وهذا يتطلب إعداد مخطط شامل للنهوض بجميع القطاعات، وعلى رأسها القطاعات الاجتماعية مع ضرورة إحداث القطائع وتفكيك أسس الريع والفساد وإرساء أسس الدولة الاجتماعية.
إن الوضع الحالي يستلزم انتهاج سياسة قوية لإنعاش الاقتصاد الوطني مبنية على الطلب الداخلي والاستثمار العمومي وإصلاح حقيقي لمنظومة الضرائب ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وأصبح الإصلاح العميق للنظام الضريبي يفرض نفسه ليصبح نظاما منصفا وعادلا وذو مردودية. وهذا يقتضي محاربة التهرب والتملص الضريبيين وطبعا وكما يحدث الآن حتى في الدول الرأسمالية المتقدمة لا ينبغي التقيد بعجز الخزينة في حاجز 3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام كما توصي بذلك المؤسسات المالية الدولية، والحرص في نفس الوقت على التدبير الأمثل للمديونية العمومية وتحويل جزء منها الى استثمارات، والحرص بالخصوص على مخزون كاف من العملة الصعبة نظرا لتعطل قنوات دخولها مما يستوجب إعادة النظر في سياسة التجارة الخارجية باتخاذ إجراءات حمائية وإعادة النظر في اتفاقيات التبادل الحر.
بالنسبة للنفقات العمومية فقد أصبحت أسبقية القطاعات الاجتماعية وخاصة الزيادة في ميزانية الصحة العمومية والتعليم العمومي والتقليص من عدد صناديق الخزينة ومن المصاريف الجبائية وإعادة النظر في شبكة الأجور في الوظيفة العمومية بخفض الأجور العليا واقرار مخطط صناعي وطني ضمن تصور جديد للأولويات وإقرار برنامج مستعجل لتجاوز التأخر الرقمي لبلادنا وتضييق الهوة الرقمية الداخلية بتسهيل الولوج الى العالم الرقمي لأغلب المواطنين.
III قانون المالية التعديلي
بخصوص قانون المالية التعديلي، إننا نعتقد أن القانون المالية التعديلي يجب أن يتأسس على أربع مرتكزات:
- دعم الطلب تعزيز القدرة الشرائية للشرائح الدنيا والمتوسطة
- دعم العرض وخصوصا المقاولات الصغيرة والمتوسطة
- تعزيز المداخيل الخزينة
- خلق مناصب شغل إضافية
- دعم الطلب وتعزيز القدرة الشرائية للشرائح الصغرى والمتوسطة:
– خفض الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمواد الأساسية،
-خفض الضريبة على المداخيل الصغرى والمتوسطة، واحترام تطبيق الزيادة المقررة في الحد الأدنى للأجر المقررة في شهر يوليوز (5%)
– مأسسة الدعم بوضع صندوق دائم بموارد قارة لفاقدي الشغل وللفقراء والفئات الهشة بشكل دائم يمول من مداخيل الزكاة ومن مساهمات المقاولات الكبرى.
– الرفع من الطلب العمومي وخصوصا الاستثمار العمومي على اعتبار الانخفاض الحاد الذي سيعرفه استثمار القطاع الخاص المحلي وكذا الاستثمار الخارجي المباشر، ويمكن استعمال جزء من المديونية المحلية لتمويل بعض الاستثمارات بشراكة مع الدولة، والبدء بإعادة تشغيل مصفاة سامير
- دعم العرض وخصوصا المقاولات الصغيرة والمتوسط
– دعم مباشر أو تسهيل الولوج للقروض بنسب تفضيلية وخلق ميكانزمات خاصة تستهدف هذه الفئة من المقاولات.
-إشراط دعم المقاولات بالمسؤولية الاجتماعية واحترام قانون الشغل وخلق فرص الشغل اللائق.
-إقرار مبدأ التفضيل الوطني وإلزامية اشراك المقاولات الصغيرة والمتوسطة في الصفقات العمومية.
– حماية المنتوج المغربي وذلك بالحد من استيراد المواد الكمالية والمواد المنافسة للمنتوج المغربي سواء بالزيادة في حقوق الجمرك لهذه المواد أو استعمال الآليات الغير الجمركية للحماية أو تلك المتاحة من طرف منظمة التجارة الدولية.
3-خلق مناصب شغل جديدة:
إن الوضع الذي تعرفه العديد من الإدارات وخصوصا الإدارات ذات الطابع الاجتماعي (الصحة والتعليم) من نقص كبير في الموارد البشرية وما ستعرفه البطالة من ارتفاع بفعل وضع الانكماش الذي سيعرفه الاقتصاد الوطني يتطلب نهج سياسة جريئة في مجال الشغل وذلك بإحداث مناصب شغل جديدة في القطاع العام وشبه العام والجماعات الترابية.
4 -تعزيز مداخيل الخزينة.
إن مداخيل الخزينة مرشحة للانخفاض بسبب توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية، لذلك يجب أن يكون قانون المالي التعديلي مناسبة لاتخاذ إجراءات ضريبية تمكن من تعزيز مداخيل الخزينة من جهة وتتجه نحو الإصلاح العميق للنظام الضريبي ليصبح نظاما منصفا وعادلا وذو مردودية:
- احداث ضريبة تصاعدية على الثروة وعلى الإرث الكبير.
- الزيادة في عدد أشطر الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات مع إقرار نسب خاصة بالنسبة للشركات التي في وضع شبه احتكاري والشركات التي لا تتعرض للمنافسة الخارجية.
- الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمواد الكمالية وخفضها على المواد الأساسية وإعفاء بعض المواد كالأدوية
- . تقليص المصاريف الجبائية
إن جو التآزر والتضامن الذي خلقته الجائحة مناسبة لإعطاء إشارات قوية أن بلادنا ستقطع مع سياسات المرحلة السابقة، فتصفية الجو السياسي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفِي مقدمتهم معتقلي الحراكات والصحفيين والمدونين ووقف المتابعات والإسراع بإعادة العالقين ونهج سياسة تشاركية من خلال العودة للحوار الاجتماعي ثلاثي الأطراف، كلها إشارات من شأنها إرجاع الثقة في إمكانات البلاد وفِي إرادة الإصلاح الحقيقي الذي ينتظره المغاربة. أما على المستوى المتوسط والطويل فإننا نقترح فتح حوار وطني بإشراك كل القوى السياسية والاجتماعية والمدنية من أجل تعاقد اجتماعي جديد يهدف الى بناء الدولة الديمقراطية الاجتماعية.
الدار البيضاء في: 3 يونيو 2020