أطلق المجمع الشريف للفوسفاط (OCP) واحدة من أكبر المبادرات الاستراتيجية في مجال تدبير الموارد المائية، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من المياه لعملياته الصناعية، وتعزيز الأمن المائي بالمغرب، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بندرة المياه وتغير المناخ.
وبحلول سنة 2025، من المرتقب أن تصل القدرة الإنتاجية للمياه غير التقليدية إلى 320 مليون متر مكعب، لترتفع إلى 610 ملايين متر مكعب في أفق 2027. ويعد مشروع خط أنابيب K2J بين الجرف الأصفر وخريبكة أحد أهم ركائز هذا الطموح، إذ يُعد الأول من نوعه على المستوى الوطني، ويمتد على طول يفوق 200 كيلومتر.
ينقل هذا الخط ما يصل إلى 80 مليون متر مكعب سنويًا من مياه البحر المحلاة من محطة الجرف الأصفر إلى الحوض المنجمي بخريبكة، أكبر مركز لاستخراج الفوسفاط في المغرب، وذلك لتغطية حاجيات OCP الصناعية، وأيضًا لتزويد ساكنة المنطقة بالماء الصالح للشرب في ظل ضغط مائي متزايد.
وقد تم إنجاز هذا المشروع في ظرف قياسي لا يتعدى 24 شهرًا، بشراكة بين شركة Water Green OCP، ومكتب الهندسة JESA، وعدد من المقاولات المغربية. وبلغ الأثر الاجتماعي للمشروع نحو مليون يوم عمل، أي حوالي 1300 فرصة شغل يومية خلال سنتين، استفاد منها بشكل كبير أبناء المنطقة بنسبة 85%. كما تم إحداث 100 منصب دائم خلال مرحلة الاستغلال.
ويمثل هذا المشروع إنجازا بيئيا وتنمويا يعكس توجه OCP نحو ترسيخ التنمية المستدامة. فإلى جانب K2J، تم تشغيل خط أنابيب ثانٍ، بطول يفوق 80 كيلومترا، ينقل المياه العادمة المعالجة من محطة مراكش نحو المركب المنجمي ببنجرير واليوسفية، مما مكن، منذ 15 يونيو 2025، من تحقيق استقلال مائي كامل لعمليات OCP في هذه المناطق.
ويُعد هذا النظام المتكامل ثمرة شراكة استراتيجية مع وزارة الداخلية والشركة الجهوية متعددة الخدمات، ويُمهد الطريق لتوسيع النموذج على نطاق أوسع.
انطلاقًا من سنة 2026، تخطط Water Green OCP لإطلاق مشروع جديد يحمل اسم G2S، سيربط محطة تحلية مياه البحر بالصويرة بكل من مازيندة، بنجرير، ولوتة، لتزويد منشآت OCP الصناعية، وكذلك مدن مراكش، اليوسفية، وبنجرير بالماء الشروب، في تناغم تام مع السياسات العمومية.
وتعكس هذه المشاريع التزام OCP القوي بحماية الموارد المائية، من خلال الاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة بنسبة 100%، وتبني نهج دائري ومتكامل يستند إلى البحث العلمي والرقمنة والابتكار.
في هذا الإطار، تلعب مؤسسات مثل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات (UM6P)، ومركز INNOVX، ومكتب JESA، إضافة إلى شركاء دوليين، دورًا محوريًا في دعم هذا التحول المستدام.
وتُبرز هذه الدينامية الجديدة موقع OCP كفاعل قيادي في مجال تدبير الموارد المائية، ليس فقط على المستوى الوطني، بل أيضًا في القارة الإفريقية، من خلال الجمع بين الكفاءة الصناعية، والإدماج الاجتماعي، والتفوق التكنولوجي.
إن السيادة المائية، من خلال هذه المشاريع، تتحول إلى أداة استراتيجية لمواجهة التحديات المناخية وتعزيز العدالة المجالية، ضمن رؤية متكاملة تضع الإنسان والعلم في قلب التحول نحو مستقبل أكثر استدامة.