مشروع التكميم وصراع الإخوة الأعداء في حزب الاتحاد الاشتراكي

بقلم: عبد الرحيم التوراني

يكاد العديد من المتتبعين لا يعرفون حقيقة شعور الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، وهو يتلقى اليوم كل هذا السيل الجارف من الانتقادات والهجومات، التي عمت فضاءات التواصل الاجتماعي، بعد تسريب مشروع قانون “التكميم” (22.20).

إذ لا أحد اهتم بباقي الأحزاب الأخرى المشاركة في الحكومة ولا برئيسها الإخواني العثماني، ليس فقط لأن وزارة العدل التي يتولاها حاليا الاتحادي محمد بنعبد القادر هي صاحبة المشروع، ولكن لكون حزب الاتحاد الاشتراكي يتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية وتاريخية أكبر من غيره من أحزاب الإئتلاف الحكومي، لاعتبارات تاريخية وسياسية معروفة. رغم أنه ليس ممثلا سوى بحقيبة واحدة.

قد يذهب البعض إلى أن “السي” لشكر يعاني أو تؤرقه هذه الضربات التي تأتيه وتغافله من تحت الحزام ومن كل جهة وصوب. لكني أستبعد ذلك، فالكاتب الأول سرعان ما يتخلص من توتره وغضبه تجاه هكذا “قلاقل” عابرة، لأنه اشتغل من قديم على ترويض مشاعره، مثل أي حيوان سياسي، ينفض عن كتفيه غبار كل انتقاد او عنف كلامي منطوق أو مكتوب، ليمضي قدما نحو هدفه كمن لا يرى ولا يسمع، هو من تلقى تربية نفسية وإيديولوجية في مدرسة اليازغي “التآمرية”، وهو من خطط من سنوات للهدف الخاص الذي ناله ووصل إليه، هدف ضيق يغلب المصلحة الشخصية على مصالح التنظيم والوطن والشعب. إذ ليس صدفة اقترابه من محمد اليازغي، منذ أن كان لشكر تلميذا بثانوية للا عائشة الحرة بحي اليوسفيية، الثانوية التابعة لحزب الاستقلال بالعاصمة، التي كانت تنهج تلقين تعليم معرب لتلامذتها.

وجد لشكر نفسه يقوم بدور حارس (فيدور) أمام باب غرفة المصحة التي كان بها محمد اليازغي يتلقى العلاج من مضاعفات جروح “الطرد الملغوم” سنة 1973. تطوع إدريس لشكر في مناوبة لحماية “القائد” من احتمال أن تستكمل يد الإجرام التي امتدت للمعارض اليازغي مهمتها، وهو داخل سرير المستشفى.

وقصة الطرد الملغوم معروفة، فهو ذات “الطرد الملغوم” الذي أرسل إلى الشهيد عمر بنجلون، وإلى الاستقلالي امحمد الدويري، لكنه لم ينفجر سوى في وجه اليازغي المتسرع، فشوه وجهه وأخذ أطرافا من أصابع يده..

***
عندما أنهى الطالب إدريس لشكر دراسته الجامعية ونال الإجازة من كلية الحقوق بالرباط، عمل لمدة سنتين في إطار “الخدمة المدنية”، وذلك في مكاتب وزارة الداخلية، وبالتحديد تحت إمرة لحسن علابوش رئيس مخابرات “الديستي”.

بعد انصرام العامين وجد لشكر نفسه عاطلا، فأنقذه اليازغي ليوظفه بمداومة الحزب في الرباط، بنفس الراتب الذي كان يأخذه من وزارة الداخلية، فتمكن من الاقتراب أكثر وهو في المقر العام للاتحاد الاشتراكي بأكدال (المواجه لحانة “شاطوبريان”)، من خبايا التنظيم الاتحادي ومن ملف الشبيبة الاتحادية. كانت الأجرة الشهرية التي ينالها هي 1400 درهما، وكانت من صندوق مالية جريدة “المحرر” في الدار البيضاء.

***
عقب صيف سنة 1984، كان إدريس لشكر في خصام وغضب مع عرابه محمد اليازغي، الذي لم يضمن له مقعدا ضمن أعضاء اللجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر الوطني الرابع للاتحاد. فغاب عن عمله كمداوم بالمقر الحزبي، ووقع في حيرة ماذا سيفعله.

وهو بساحة مرس السلطان في الدار البيضاء، ضيفا لدى صديق قديم وقائد طلابي سابق ومناضل اتحادي بارز. حكى معاناته لذلك الصديق، الذي سيقدم له النصح بالتحرر من رب عمله، ألا وهو الحزب، وبامتهان المحاماة، وكانوا أيامها يقبلون المجازين في العلوم السياسية وغيرها لمزاولة مهنة الدفاع.

***
تمرن لشكر في مكتب الاتحادي محمد بوزبع وأصبح محاميا يعمل في مكتبه. محمد بوزبع، الذي سيتولى وزارة العدل في حكومة التوافق أو التناوب، سيقترح على مساعده إدريس لشكر التكلف بمكتب المحاماة مقابل نسبة محددة. ولما علم محمد اليازغي باقتراح بوزبع، أرسل الحبيب الشرقاوي إلى إدريس لشكر، وعرض عليه التشارك معه في مكتب محاماة بشقة في أكدال،، يتقاسمان مبلغ كرائها، ولم يكن مالك الشقة غير أحد أبناء السي اليازغي.

لم يتردد إدريس لشكر في قبول عرض محمد اليازغي. بالرغم من كون أهمية اليازغي كمحام ليس بالشيء الذي يذكر، فلن يتعلم منه شيئا. في حين أن مكتب محمد بوزبع مليء بقضايا كبرى، وبملفات المتابعين في المخدرات وملفات المحكمة العسكرية وغيرها.
وبالرغم من كون عرض المرحوم محمد بوزبع كان أهم ماديا من عرض اليازغي، فقد اختار لشكر “ورقة” قبول التشارك مع اليازغي في مكتبه. لأسباب كان وحده يعرفها، قبل أن يعرفها الجميع بعد أعوام، عندما لم يتردد لشكر في عض يد اليازغي (المبتورة الأصابع بسبب اللغم)، والتي مدت إليه ورعته، ليرغم لشكر صاحبه اليازغي على توقيع استقالة مكتوبة من منصبه على رأس الحزب، إنقاذا لماء الوجه، وتجنبا للغط الذي سيعم الأوساط إذا ما حصل الاضطرار إلى إبعاد اليازغي ببيان طرد صريح صادم وموجع.

محمد اليازغي الذي نجح دائما في إبعاد خصومه داخل الحزب، بواسطة التآمر والدسائس، وبواسطة الأيادي التي يستعيرها ويحركها عن بعد تحريك الريموت كنترول، من بين “انتصاراته” دفعه محمد عابد الجابري إلى الاستقالة من المكتب السياسي، الاستقالة التي كان من أسبابها الرئيسية محمد اليازغي، وكان أيضا وراء ما حدث لرفاق عبد الرحمان بنعمرو وأحمد بنجلون، ولأحمد الحليمي ولمحمد نوبير الأموي في المؤتمر الوطني السادس، ولم تنفع أساليب اليازغي مع عبد الرحمان اليوسفي لكون الأخير كان ارتبط بالحسن الثاني وأقسم أمامه على المصحف ليسلمه “حكومة التناوب”، اتفاق جرى قبل تاريخ تعيينه وزيرا أول، بأكثر من أربع سنوات، حين كان اليوسفي غاضبا في ملاذه الآمن بالشاطئ اللازوردي في “كان”.

***
بمساعدة من آخرين من بينهم محمد البوبكري، أذاق إدريس لشكر زعيمه محمد اليازغي من نفس الكأس التي كان اليازغي يعد بعناية مقادير وصفة ترياقها المسموم لإخوته ورفاقه في الحزب، حتى “يخلو له الجو” مثل قبرة طرفة بن العبد، ف”يبيض ويصْفِر من دون حذر، ويُنقّر ما شاء له”، لكن قبرة الشاعر الجاهلي تنسى أن “لا بدّ يوماً أن تُصاد” وتقع في الفخ.

مما ترويه سكرتيرة مكتب المحاماة المشترك، في حي اكدال الرباطي، بين اليازغي وصبيه لشكر، أن الأخير لم يتورع في الاعتداء على “معلمه” بالشتائم والسباب بكلمات نابية، يخجل المرء من التلفظ بها. (كلام من تحت الحزام).
وتعود الأسباب إلى اكتشاف إدريس لشكر كذب اليازغي عليه، حين قال له إن لا مجال لتوزير من رسبوا في الانتخابات التشريعية (2002)، وهو ما تأكد لشكر عبر “قنواته الخاصة” من عدم صحته. هي نفس القنوات التي ستهديه قيادة الحزب وقبلها حقيبة العلاقات مع البرلمان، حيث يروي فتح الله ولعلو أن أعضاء المكتب السياسي لم يعلموا بالتعيين الوزاري، إلا بواسطة نشرة أخبار التلفزيون، مثلهم في ذلك مثل “أيها الناس”.

***
لدى كل استحقاق انتخابي يرفع إدريس شكر نداء التصالح والمصالحة، ودعوة الغاضبين والمبتعدين، للعودة إلى الحزب، وهي دعوة غير صادقة وخالية من أدنى متطلبات الجدية، لأنها غير مقترنة بنقذ ذاتي، أو أي أرضية نقدية، ولا يمهد لها نقاش سياسي حقيقي. فإدريس لشكر استطاب كرسي القائد في مقر “العرعار” الفخم، الأشبه بمقر شركة من شركات الهولدينغ الملكي، حيث يزين مكتبه بصور القيادات السابقة، وهو في نفس الوقت يلعنها سرا وعلانية كلما رفع رأسه تجاه عيون أصحاب تلك الصور، كأنه ينتقم من جرح خفي في نفسه القلقة المكلومة.

***
في مهننته كمحام دافع إدريس لشكر عن خالد عليوة المتهم باختلاس وتبديد المال العام، وهو على رأس مصرف تابع للدولة (السِّياشْ)، بل تمادى وشكل لجنة حزبية للتضامن مع المتهم، للتأثير على القضاء. ولم يكن يتبع في هذا سلوك “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما”، بقدر ما كان يحتاج للمثقف والمنظر خالد اعليوة إلى جانبه، فدبر له خروجا من السجن ليدفن والدته المرحومة، وليدفن بعدها قضية متابعته.
خالد عليوة واحد من الأطر المثقفة النادرة داخل الاتحاد الاشتراكي، هو من وراء إدريس لشكر اليوم وخرجاته ومشاريعه، والمقابل الحماية الحزبية والتمتع ب”حرية غير مؤقتة”.

كما كان المحامي إدريس لشكر هو من ينوب عن ملفات التعاضدية العامية لموظفي الإدارات العمومية، التي كان على رأسها المسمى عبد المولى المومني، حيث تم توظيف بعض أتباع لشكر في التعاضدية، حتى ولو كانت تنقصهم الشروط والكفاءة. والجميع بات يعرف كيف انتهى رئيس التعاضدية عبد المولى، بعد عشر سنوات من الاختلالات والنهب وتبديد الأموال، والتنكيل بالموظفين.

ويكفي القيام بزيارة إلى موقع اليوتيوب، لنتفرج على الكيفية والأسلوب الذي شيع به موظفو التعاضدية الرئيس الاتحادي المطرود طرد الأنذال والخونة المخلوعين، هتافات وأهازيج وزغاريد صدحت بها حناجر الموظفين يومها، في مشهد احتفالي لا ينسى.
عبد المولى عبد المومني الذي كان يستمد سطوته وعنجهيته من محاميه ورئيسه في الحزب إدريس لشكر، الذي كان يرعى سلوكياته غير اللائقة ويتستر عليه.
ونسأل بالمناسبة، أين راحت تلك الأعداد التي حضرت العام الماضي إلى مقر العرعار من أجل تشكيل تنظيم حزبي اتحادي لموظفي التعاضد في المغرب برئاسة المخلوع المشار إليه؟
مجرد سؤال.

***
بعد ولايتين متتاليتين، على إدريس لشكر اليوم، وفقا لقانون الحزب، أن يترك منصب الكاتب الأول، وقد صرح قبل حوالي سنة في استجواب مع يومية “الصباح” أنه سيغادر وقد ترك للحزب “تراثا ماديا يتمثل في تسجيل مقرات الحزب والشركة التي تصدر جريدتي الحزب “الاتحاد الاشتراكي” و”ليبراسيون” في اسم الحزب”، يا له من إرث طائل ورصيد وافر..!.

لكنه يود أن لا ينزل من على عرشه، ولا يريد أن يكون الخلف إلا من صنع يديه. لذلك فكل الطامعين في الخلافة يخشونه، لكن محمد بنعبد القادر عبر جهارا عن طموحه في نيل الكتابة الأولى للاتحاد، وذلك خلال استضافته في برنامج “ضيف الأولى” الذي كان ينشطه التيجيني.

إدريس لشكر يعي جيدا ارتباطات بنعبد القادر مع “جهاز الظل”، ويعرف جيدا من قام بتسميته وزير مكلفا بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية في الحكومة السابقة، ومن أبقى عليه في التشكيلة الحالية وزيرا للعدل وممثلا وحيدا للاتحاد.

وتجدر الإشارة إلى أن إدريس لشكر في مفاوضاته من أجل تشكيل الحكومة، كان يسعى دائما للحصول على منصب وزاري له ولابنته خولة لشكر، ولما فشل في ذلك قام بزرع عين داخل وزارة محمد بنعبد القادر لمراقبته، عين تنقل اليه ما يحيكه خصمه السري، ولم يختر لشكر أي عين، فالعيون لا تتشابه، بل انتقى ابنه الحسن لشكر وسمّاه رئيسا لديوان وزارة بنعبد القادر.

وللإشارة فإن محمد بنعبد القادر المتحدر من مدينة تطوان، هو زوج أخت يونس امجاهد، سبق له أن ترك الحزب ليترشح مستقلا، بعدما فرض اليازغي ابنه علي اليازغي مرشحا بدائرة تطوان في انتخابات 2007، ولأن الحزب لم يهده “وردته البنفسجية” ليترشح بها، فقد منحت وزارة الداخلية لمحمد بنعبد القادر “سلوما” ليرتقي به إلى البرلمان، لكن الرمز “السلم” لم يكن متينا وعاليا. فهبط للنزول إلى الحزب وإلى لجنة العلاقات الخارجية (!). ومن باب تلك اللجنة، ولج بابا آخر يؤدي إلى الحكومة، وكان يستعد لتبوء زعامة الاتحاد، لكن مع “مشروع التكميم” ربما ستصعب عليه المسألة. وهو ما يرضي إدريس لشكر.
وعلينا انتظار بلاغات تنظيمات الحزب المؤيدة للموقف الجماهيري ضد مشروع 22.20، بلاغات مكتوب عليه: “مايد إن (صنع في) زنقة “العرعار”.

/ عبد الرحيم التوراني

مقالات ذات الصلة

1 ديسمبر 2022

هل ستحجز وزان موقعها داخل الأيام 16 العالمية لمناهضة العنف ضد النساء ؟

23 يوليو 2022

الاشكالات القانونية للرقابة الادارية على مقررات المجلس وقرارات الرئيس على ضوء القانون التنظيمي للجماعات 113.14

20 يوليو 2022

التنمية الترابية بين الواقع والنظرة المستقبلية

7 يونيو 2022

أهم التحديات المستقبلية : تحدي التعقيد