لم يحي أمازيغ الجزائر، أمس الإثنين، “الربيع الأمازيغي” في ذكراه الـ40، للمرة الأولى بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة وباء كورونا في البلاد.
ولم تحتفل السلطات الرسمية التي تمثلها وزارتا الثقافة، والشباب والرياضة بمحافظتي تيزي وزو (شرق العاصمة) وبجاية (شرق) ومحافظات أخرى يقطنها الأمازيغ بكثرة، بذكرى هذه السنة (20 أبريل)، في إطار الحجر الصحي والتدابير التي اتخذتها الحكومة للحد من انتشار كورونا.
والقت التدابير الصحية الخاصة بجائحة كورونا بظلالها على المناسبة بعد أن تم حجب جميع التظاهرات المخلدة لهذه الذكرى التي دأب الأمازيغ، وخاصة بمنطقة القبائل، على إحيائها على مدار أربعة عقود من الزمن..
التزام سكان المنطقة بيوتهم، لم يفسح المجال لتمر الذكرى مرور الكرام، بعدما تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصة ضد النسيان وإحياء الربيع الأمازيغي على طريقة روادها عن طريق نشر صور من الأرشيف، ومساهمات علمية ومقالات وغيرها من شهادات حية للمناضلين القدامى وغيرها من الأمور الأخرى التي توثق الأحداث..
وفي هذا الإطار، كتب الكاتب الجزائري ناصر جابي، في جريدة القدس العربي، مقالا نعيد نشره بتصرف، جاء فيه ان الأمازيغ يحتفلون هذا الأسبوع بالذكرى الأربعين للربيع الأمازيغي، الذي اندلعت أحداثه في 20 إبريل 1980. ذكرى اكتسبت رمزية كبيرة ليس في الجزائر فقط، ولدى المدافعين عن المطالب الأمازيغية، لكن في كل منطقة الشمال الأفريقي، التي تعامل مع هذا الحدث كانطلاقة جديدة لمطالبها المرتبطة بالاعتراف بالعمق الأمازيغي لهذه الشعوب، لغة وثقافة وتراثا.
رمزية كبيرة عبّرت عنها هذه الأحداث، التي انطلقت شرارتها من جامعة تيزي وزو، بعد منع الأنثروبولوجي مولود معمري من إلقاء محاضرة، داخل الحرم الجامعي، حول الشعر الأمازيغي، تأكيدا لما ميز الحركة الأمازيغية في كل الشمال الأفريقي، والدور الكبير للنخب داخلها وتأطير كل الحراك المرتبط بها. فالقضية الأمازيغية من هذه الزاوية حركة نخبة بالدرجة الأولى، من دون أن يعني ذلك افتقادها لعمق شعبي أكيد، داخل منطقة القبائل، على وجه التخصيص، وبعض المدن الكبرى في بدايتها الأولى على الأقل، عند الحديث عن الجزائر.
حركة حافظت على سلميتها، رغم الانتكاسة العنيفة التي عرفتها، في ظروف جد خاصة، عاشتها الجزائر في 2001/2002 لتتحول مع الوقت إلى ما يشبه القاطرة في علاقتها بالحركة الأمازيغية ككل في منطقة الشمال الافريقي، رغم ما يعاب في بعض الأحيان على النخبة القبائلية من توجه علماني أو شبه علماني، لا يجد كل الصدى المطلوب، في حالات وطنية أخرى خارج المنطقة والجزائر، والمنطقة المغاربية، التي انتجت نماذج نخبوية مختلفة فكريا وحتى سوسيولوجيا، كجزء من تنوع أكبر على مستوى سوسيولوجية المناطق الأمازيغية، عبّر عن نفسه في الاقتراحات لحل الإشكالات التي يعيشها المطلب الأمازيغي، وهو يتطرق إلى قضية العلاقة مع السلطة المركزية، وكتابة حروف هذه اللغة وتعميم استعمالها كجزء من قضايا متشابهة تعيشها الحركة في كل الشمال الافريقي، حتى لو اختلفت موازين القوى من حالة وطنية إلى أخرى، وحتى داخل كل البلد.
قوة دفع عُرفت بها الحركة الأمازيغية في منطقة القبائل هي التي جعلتها تتحول إلى ما يشبه القاطرة داخل الجزائر، ليس في علاقاتها بالمناطق الناطقة بالأمازيغية الأخرى ونخبها، بل في المنطقة المغاربية ككل، رغم بعض التنافس – الإيجابي حتى الآن – الذي تلاقيه من الحركة الأمازيغية المغربية، وبعض الحالات الوطنية الأخرى، التي ما زالت تتخوف من قوة دفع أبناء منطقة القبائل وجرأتهم السياسية والفكرية، التي اكتسبوها مع الوقت، باعتبارهم من أقدم الحركات الامازيغية، في دول الشمال الافريقي. يجب رغم ذلك أن لا تغبن فرص ظهور حركات أخرى بمواصفات فكرية وسوسيولوجية مختلفة، ستكون إضافة داخل التنوع الذي تعرفه الحركة الأمازيغية في المنطقة المغاربية، كما هو حال منطقة بني ميزاب، على سبيل المثال، إذا اكتفينا بالحالة الجزائرية.
قوة دفع أبانت عن نفسها بمناسبة الحراك الذي تعيشه الجزائر منذ 22 فبراير 2019. نتيجة الأدوار الوطنية المتميزة التي قام به أبناء منطقة القبائل، كقاعدة لهذا الحراك ليس في منطقتهم فقط، بل في الكثير من المدن الجزائرية كالعاصمة، ووهران التي كانت من المدن المستقبلة لهجرة قبائلية قديمة، عُرف بها أبناء المنطقة داخل وخارج الجزائر.
دور استفز بعض القوى المحافظة الدينية والوطنية، استطاع توظيفها بعض مراكز القوى السياسية على مستوى السلطة، لتكسير الحراك، ورفض مطالبه الوطنية، عن طريق الزج بالجزائر في نقاشات ثقافوية وهوياتية، تبين بسرعة أن التحولات الفعلية التي عاشها المجتمع الجزائري، منذ عقود، على أكثر من صعيد ديموغرافي، فكري وسياسي قد تجاوزها على أرض الواقع . لتكون الخلاصة أن لا خوف على الجزائر من مطالب الحراك، ولا الحركة الأمازيغية، وهي تطالب بالمواطنة وحماية الحقوق الفردية والجماعية، واستقلالية العدالة، وغيرها من المطالب المرفوعة بمناسبة الحراك، وقبلها الحركة الأمازيغية تاريخيا، حتى في الحالات التي عبّر جزء من النخب داخلها على نوع من الغموض، وهو يصرّ على الطرح «الأقلياتي»، كما هو الحال في منطقة غرداية، قد يكون انعكاسا لنوع من الانكسار الديموغرافي والمذهبي مع المحيط، لم يجد الصدى نفسه داخل الحركة الأمازيغية ككل، ولا بين أبناء منطقة القبائل، الذين عبروا بالعكس عن قوة اندماج وطني كبيرة جدا تاريخيا، كما كان الحال أثناء الحركة الوطنية، وثورة التحرير، وبناء الدولة الوطنية لاحقا.
عكس ما قد يفهم من بعض الطروحات، التي طورتها نخب الحركة الأمازيغية في منطقة القبائل، في بعض أدبياتها، وهي تنادي باللامركزية، وإعادة تحديد صلاحيات المركز في علاقاته بالجهات والمناطق، بعدما تبينت الحدود التاريخية التي وصلت اليه تطبيقات النموذج اليعقوبي للدولة في الجزائر، وكل المنطقة. نموذج سيطرت عليه نخب معزولة في مقرات مكاتبها في العواصم، لم تنجح لا في ميدان التنمية ولا في قضايا الحريات، التي تطالب بها الشعوب بقوة. نموذج مركزي للتسيير السياسي والاقتصادي، لم يستفد من الحيوية الثقافية، وفرص الانطلاق المتوفرة محليا في الجهات والمناطق، على مختلف الصعد البشرية والمادية، بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال، في بلد بمواصفات جغرافية واسعة ومتنوعة.
نخب سياسية رسمية سيطرت على مؤسسات الدولة الوطنية بعد الاستقلال مباشرة، فشلت ربما بدرجة أكبر في بناء مشروع البناء المغاربي الذي كان تاريخيا من مطالب شعوب المنطقة، وقفت أمام إنجازه الدولة اليعقوبية بنت الحركة الوطنية بنخبها ومؤسساتها، رغم تبني جزء منها على الأقل لطروحات قومية، لم تسعفها في الخروج من الطرح الشوفيني الضيق، الذي وصل إلى أشكال قبيحة مثل، غلق الحدود البرية، والقطيعة بين الشعوب. التي يوحدها بالعكس كل خزانها الثقافي المتنوع من إسلام، عربية وأمازيغية، استمر صامدا أمام كل محاولات التقسيم وبناء الحواجز.
البناء المغاربي الذي يمكن أن يكون من الملفات الثقيلة التي يمكن أن تساهم فيها بنجاح الحركة الأمازيغية المغاربية، بالنسيج الجمعوي والسياسي الذي تملكه كقاعدة تنظيمية لشعور مشترك بالمصير الواحد، حاضر بقوة بين شعوب المنطقة عبر الزمان، من قبل مرحلة الاستعمار، وبناء الدولة الوطنية الحديثة، عبّر عن نفسه من خلال بناء كيانات سياسية تاريخيا، كما كان مع الكثير من الدول التي عرفتها المنطقة، كالمرابطون والموحدون. اذا اكتفينا بهذه المرحلة من التاريخ، التي لن تعود أيامها إلا عبر الديمقراطية التي تطالب بها الشعوب كوسيلة لبناء ذاتها وحل نزاعاتها.