منذ بداية الأسبوع الجاري، والمغرب على قائمة “الترند” الأكثر تداولا على مواقع التواصل الاجتماعي “تويتر”. والموضوع لائحة من “الهاشتاغات” حول حكومة “العثماني الإخوانية” وعن “المجاعة التي ستضرب المملكة”، و”الفساد الذي أنهك المغرب” وعن “الملك محمد السادس الذي يوجد في موقف صعب” بعد ظهور أعراض فيروس “كورونا” على أزيد من 2000 شخص في المملكة، أكدت التحاليل المخبربية إصابتهم بالفيروس الذي يوجد في جسم مليوني شخص حول العالم!
هكذا، بدون مقدمات، صعد إسم المغرب ليصبح من بين الأكثر تداولا على موقع “تويتر” من حسابات عديدة، أغلبها غير موثقة، وتحمل أسماء مستعارة، تأكدت “الصحيفة” من خلال المتابعة التقنية، أنها حسابات وهمية، تدار من طرف شركات مصرية تعمل على إنتاج الحملات الإلكترونية الموجهة لتأليب الرأي العام حول قضية محددة.
معطيات دقيقة حصلت عليها “الصحيفة” من مصادرها، ومن خلال تتبع الحسابات “الوهمية” عبر سلسلة من التعقيدات التقنية، أكدت أن هذه الحملة التي بدأت ليلة الأحد الماضي، واستمرت بزخم كبير إلى حدود ليلة الأربعاء، واستهدفت المغرب وحكومته، وكذا الملك محمد السادس، وراءها شركات مصرية مهمتها “صناعة ذباب الكتروني” لانتاج محتوى موجه لضرب شخصيات، أو دول، أو حكومات، وهي نفس الشركات التي تشتغل بشكل موثوق مع الإمارات العربية، وسبق لموقع “تويتر” أن أعلن عن ذلك في العديد من بلاغاته، كما جمّد موقع فيسبوك الآلاف من الحسابات الوهمية التي استهدفت دولا مثل ليبيا وقطر وتركيا وكذا المغرب.
ومن خلال التتبع، وتجميع المعطيات لأكثر من مصدر، حصلت “الصحيفة” على تفاصيل خيوط كثيرة عن استهداف الإمارات للمغرب من خلال “ذباب إلكتروني” ممول من جهات سيادية في الإمارة الخليجية، كما أشارت نفس المصادر المعززة بمعطيات دقيقة أنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها الإمارات العربية، المملكة المغربية، من خلال حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب الخلافات السياسية، بين الرباط، وأبوظبي، حول قضايا مختلفة، إقليمية، وجهوية، مثل حصار قطر، وحرب اليمن، ودعم المشير حفتر في ليبيا على حساب “اتفاق الصخيرات” الذي أفرز “حكومة الوفاق”، وكذا”صفقة القرن”.. وهي الملفات التي انتقلت بالخلاف إلى صراع حقيقي على المراكز الدينية في أوروبا، حيث وظفت الإمارات ملايين الدولارات لإضعاف المغرب في الدول الأوروبية التي له جالية كبيرة فيها، وَيُراهن على تصدير نموذجه الديني لها.
غير أن استهداف المغرب عبر “الذباب الإماراتي”، كان دائما يأتي متزامنا مع خلافات تطفو على السطح، مثل غضب المغرب من أبو ظبي لعدم تصويتها على ملف المملكة لتنظيم لكأس العالم 2026، أو من خلال سحب المغرب لقواته من حرب اليمن، أو رفضه لحصار قطر، أو الخلافات في ليبيا و”صفقة القرن”.. وكلها ملفات كانت شظاياها تتطاير على مواقع التواصل الاجتماعي، غير أن الحملة التي خاضتها الإمارات عبر “ذبابها” هذه المرة “غير مفهومة”، خصوصا وأنها تأتي بعد أقل من ثلاثة أشهر عن لقاء جمع الملك محمد السادس بولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، عند زيارة الأخير للمملكة، شهر يناير الماضي، حيث قضى عطلة خاصة في قصره بمنطقة “أم عزة” ضواحي العاصمة الرباط.
نشأة الخلاف الإماراتي المغربي
إن كان الخلاف الإماراتي المغربي ظهر في السنوات الأخيرة بشكل شبه علني من خلال استدعاء السفراء، حيث مازالت أبوظبي لم تعتمد سفيرا لها في الرباط إلى اليوم، بعد سحب سفيرها، قبل حوالي السنة، لوجود خلاف حاد مع المملكة، أو من خلال التراشق الإعلامي، والتصريحات الرسمية حول قضايا إقليمية ودولية، فإن التباعد بين المملكة والإمارة الخليجية ظهر فعليا بعد صعود حزب “العدالة والتنمية” إلى رئاسة الحكومة المغربية، بُعيد “الربيع العربي” سنة 2011.
حينها، ظهرت “مقاومة” شديدة للإمارات، وكذا السعودية، لصعود “الإسلاميين”، لتدبير جزء من السلطة في المملكة المغربية، وحاولوا بطرق مختلفة إفراغ نتائج صناديق الانتخابات التي صعدت بالتيار الإسلامي لـ”الحكم” في العديد من الدول، لعل أهمها في مصر من خلال “الإخوان المسلمين” أو في المغرب من خلال حزب “العدالة والتنمية” الذي تعتبره الإمارات العربية، “حزبا إخوانيا”، في تفكيك وفهم فظيع من حكام أبوظبي لبنية الإسلام السياسي في المغرب، الذي يختلف عن ما هو موجود في المشرق.
وكما سَخّرت الإمارات، مدعومة بالسعودية، ما يزيد عن 70 مليار دولار دعما للجنرال السيسي من أجل إسقاط، حكم، محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، اعتقدت أبو ظبي “بدون دهاء” أنها قادرة على تقديم “عروض” لإسقاط “الإسلاميين” من الحكومة المغربية، وهو مَا كان لِيَقبل به الملك محمد السادس، الذي دافع عن حكومته، وحق “العدالة والتنمية” في رئاستها، رافضا أي تدخل خارجي في تدبير شؤون المغرب الداخلية.
وجود “حزب العدالة والتنمية” على رأس الحكومة المغربية، دفع بشخصيات إماراتية، رسمية، للدخول في انتقادات مباشرة، ورَسم خريطة طريق للدخول للساحة المغربية، من خلال الإعلام، مادامت غير قادرة في التأثير عليها رغم سخائها المالي وضغوطها السياسية.
سنة 2015 تحديدا، وضعت الإمارات العربية المتحدة خطة الدخول لـ”السوق السياسي” في المغرب من خلال الإعلام، وتوظيف “القوة الناعمة” للتأثير في الرأي العام وتوجيهه ضد الإسلاميين، وتحديدا حزب “العدالة والتنمية”.
وبدأ توجه الإمارات واضحا في مناوئتها لحكومة ابن كيران، حيث نزل التصور الذي أعدته أبوظبي إلى مستوى تصريحات “خشنة” لشخصيات إماراتية فاعلة، مع تصدير محتوى موجه لِملايين المغاربة الذين يستهلكون ما تنتجه المنصات الرقمية، هذا في الوقت الذي كان تأثيرها في الصحافة الورقية المغربية، موجودا، لكنه محدود وغير مؤثر.
سنة 2015، كانت فاصلة في وضع المغرب على خريطة الدول التي ترغب الإمارات في الدخول إليها وصنع محتوى موجه للمغاربة، يطابق تصور أبو ظبي السياسي للمنطقة. في هذا السياق، خرج ضاحي خلفان، قائد شرطة دبي، حينها، في ذات السنة (أي 2015) بتدوينة على حسابه على موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” توقع من خلالها “سقوطا مدويا لحكومة بنكيران”، مؤكدا أن “إخوان المغرب سيسقطون خلال عام”.
تدوينة قائد شرطة دبي، وأحد رموز الحكم في الإمارات، تفادى رئيس الحكومة، حينها، عبد الإله ابن كيران التعليق عليها، بشكل حاد، لكنه عاد إليها عندما غادر الحكومة، حينما أكد في تجمع حزبي أن “الإمارات تتحرش بالمغرب”. منتقدا إعلام أبوظبي الذي كان يناوىء حكومته، قبل أن يوجه سهام نقده، لمحمد دحلان، مستشار ولي عهد أبوظي، الحاكم الفعلي للإمارات.
شراء أسهم في الإعلام المغربي وتوجيهه لتجميل وجه الإمارات
أدركت الإمارات، متأخرة أن “الإعلام البديل” من خلال المواقع الالكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، كانت الأساس والشرارة الكبرى والمؤثرة في الشعوب لإفراز ثورات “الربيع العربي”، التي أسقطت العديد من الأنظمة في المنطقة، كما استوعبت، ولو بمنطق “كسول” أن كل المنصات والقنوات والجرائد التي صرفت عليها ملايين الدولارات لـ”تدجين” شعوب المنطقة، لم تكن مؤثرة بالشكل الكافي لـ”قمع الحقيقة”، وإعادة انتاج الواقع برؤيتها، لذا، اعتمدت تصورا جديدا يعتمد على شراء جزء من رأسمال مواقع الكترونية في العديد من الدول العربية، أو دفع الملايين للتحكم في المحتوى الذي تنشره هذه المواقع التي تعتبر مؤثرة في بلدانها.
لهذا الغرض، كلف ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، مستشاره للأمن الوطني، طحنون بن زايد آل نهيان، وعقل جهاز المخابرات في هذه الإمارة الخليجية، بصياغة رؤية صناعة “قوة ناعمة” للدولة، في الخارج، حيث بدأ جهاز طحنون يستقطب الصحافيين ويرسم معالم التوجه الإعلامي الموجه للإمارات تحت غطاء وزارة الإعلام، التي كان يديرها فعليا جهاز طحنون المخابراتي.
كانت الخطة ببساطة، هي إعادة “صناعة الفوضى” و”الاستثمار في بؤس الناس” من خلال تسطيح عقولها بمحتوى يبعدهم عن السياسة، ويقدم لهم إعلاما موجها برؤية واحدة لتفادي أي “قنبلة زمنية” لموجة ربيع عربي ثان، فكان الأساس الذي رفعه جهاز طحنون، لتنفيذ هذه الخطة هو: “إجعل الدرهم الإماراتي يَصرخ”!
ولهذا الغرض، وضعت ميزانية ضخمة تحت تصرف جهاز طحنون لشراء أسهم وجزء من رأسمال العديد من المواقع في كل من مصر وتونس وبدأ التفاوض داخل المغرب على ذلك أيضا، لتكون هذه المواقع صوت الإمارات الخارجي ولتمارس “القوة الناعمة” في تجميل صورة أبوظبي، وتوجيه سهام النقد للإسلاميين، من الخليج إلى المحيط.
وليبدأ العمل فعليا، نظمت الإمارات، شهر مارس سنة 2015 في دبي، تجمعا لـ”رواد التواصل الاجتماعي العرب” حضره 1500 إعلامي ومؤثر في الإعلام البديل، حيث استقبلهم، شخصيا، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء، وحاكم دبي.
كل الحاضرين في هذا التجمع دُفعت تكاليف حضورهم، بالكامل، من تذاكر الطائرة إلى الإقامة في فندق من خمس نجوم، إلى غلاف مالي وجده كل مشارك عند دخوله لغرفته، حيث عمدت الإمارات لشرح رؤيتها المستقبلية، ومحاولة استقطاب أغلب المؤثرين في “الديجيتال” في العالم العربي.
من الحاضرين لهذا التجمع كان هناك العديد من المدونين، وكذا الصحافين وبعض مدراء المواقع الإلكترونية المغربية.
في هذا اليوم بالذات، وضعت خطة للتفاوض من أجل الدخول إلى سوق الإعلام المغربي، بحيازة جزء من رأسمال مواقع إلكترونية معينة، ومحاولة التأثير في بعض الصحافيين من خلال عوائد مالية، أو تدبير إقامات في دبي، وكذا تنظيم سفريات منتظمة، ومدفوع تكاليفها مسبقا إلى الإمارات، نظير تصريف العديد من المحتوى الإماراتي للقارئ في المغرب، وهو المحتوى الذي يكتب أغلبه في أبوظبي، ويصل للمعنيين جاهزا من أجل نشره!
ومع نهاية 2015، وبداية 2016، كانت الإمارات حاضرة، فعليا، في المواقع الإلكترونية المؤثرة في المملكة، وتطورت هذه العلاقة، إلى حدود 2017 حيث بدأ النقاش فعليا يتطور لشراء جزء من الأسهم، في بعض المواقع الإلكترونية، في حين بقي التعامل مع بعضها الآخر مناسباتيا.
وبعد نفخ في لغة الأرقام، تم رسو الإماراتيين على التفاوض مع موقع مغربي واحد (..) حيث فتحت معه، حكومة دبي، ثم أبوظبي، المفاوضات لشهور طويلة، كان طيلتها يقوم بصرف مواقف الإمارات بكل زخم، ويتبع سياستها الخارجية، كـ”عربون حسن نية”.
الأكثر من ذلك، تم توظيف العديد من المصطلحات السياسية لتصريفها للمتلقى المغربي، مع التركيز على إسقاط المفاهيم السياسية لخلطها، كما هو حال وصف أعضاء حزب “العدالة والتنمية” بـ”إخوان بنكيران” و”إخوان العثماني” أو إغراق حزب “pjd” بوصف”الإخوان” وكلها إسقاطات أريد لها أن تلتصق في الوعي الجماعي المغربي، ليتناغم وصف “إخوان المغرب” مع “إخوان مصر”، وتصبح صورتهما واحدة، في عملية “تطبيع” ممنهجة يصعب الفصل معها بين الإسلام السياسي المغربي، والإسلام السياسي المشرقي.
الدخول الفعلي للإمارات في الإعلام المغربي
منذ 2017، بدأت الإمارات في الإعداد لرؤية إعلامية جديدة، من خلال إعادة هيكلة مؤسسة “أبوظبي للإعلام” التابعة لشركة أبوظبي التنموية القابضة، وهو صندوق سيادي إماراتي، حيث بنت استراتيجتها على جعل هذا الصندوق السيادي من خلال مؤسسة “أبوظبي للإعلام” جزءا من رأس مال بعض المواقع، العربية، ومنهم موقع مغربي.
الاتفاق أفضى إلى دخول الإماراتيين بجزء مهم في رأسمال الموقع المغربي، ولهذا، الغرض، كان هناك لقاء، مع سلطان الجابر، العقل الإعلامي الذي أشرف على الاستراتيجية الجديدة للإعلام في الإمارات، والمنصات التابعة لها، وهو وزير دولة، ورئيس مجلس إدارة أبوظبي للإعلام، مع ملاك أحد المواقع، أواخر سنة 2018، في الرباط، حيث تم نقاش الكثير من تفاصيل دخول الصندوق السيادي كمساهم في الموقع المغربي، قبل أن يستكمل اللقاء في رأس سنة 2018 في الإمارات، حيث أبرم الاتفاق (..).
قصّة التوغل الإماراتي، في الإعلام المغربي، لا تقتصر على الدخول في رأسمال الإعلام المغربي، بل تتعداه لبناء شبكة علاقات مع صحافيين ومؤثرين في الإعلام، من أجل خدمة أجندتها الداخلية والخارجية، بمنطق “هاجم، ثم هاجم، ثم هاجم، ولا تتوقف”، وهو ما رأيناه في العديد من الأحداث التي همّت العلاقات المغربية الإماراتية، حيث تعاملت العديد من المواقع مع التوتر بين الرباط وأبوظبي بـ”برودة”، وتجاوزوا عملية تسليط الضوء عليها قدر المستطاع!
هي إذن، “حرب” طويلة على المملكة المغربية، تُلعب بأيادي شركات مصرية مهمتها صناعة “الذباب” الموجه للمغرب، في مواقع التواصل الاجتماعي، كما أصبحت تلعب بأياد مغربية، بصيغة تقترب من “العمالة لدولة أجنية”.
ويكفي العودة لأرشيف بعض المواقع لمعرفة مدى توغل “الدرهم الإماراتي” في قواعد تحرير المحتوى الموجه للمغاربة، لتحويل إيمانهم لشخصيات أو أحزاب أو مؤسسات إلى كفر، وهو ما يفضي في الأخير لـ”صناعة الفوضى”. الثروة الحقيقية للإمارات بعد النفط!