انقسم الرأي العام في ليبيا بين مؤيد ومعارض، بعد دعوة وجهتها مفوضية المجتمع المدني بالعاصمة طرابلس إلى وزارة الاتصالات منتصف الشهر الماضي، طالبت فيها بحظر تطبيق “تيك توك” وموقع “يوتيوب” في ليبيا.
وتداول نشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي مراسلة موجهة من رئيس مفوضية المجتمع المدني فرع طرابلس إلى المجلس الرئاسي، تطالب الأخير بمخاطبة وزارة الاتصالات لحظر برنامج تيك توك وموقع اليوتيوب ومراقبة صفحات التواصل الاجتماعي، بالإضافة لتفعيل ضوابط السفر وإيقاف القنوات التلفزيونية التي تخالف ضوابط المجتمع.
وأثارت المراسلة ردود فعل واسعة وساخرة على صفحات التواصل الاجتماعي، التي اعتبرت في المطالبة تعدياً على حرية انتقال المعلومات وعلى وسائل التواصل بين المواطنين، ومحاولة لقمع فضاءات التعبير والرأي التي توفرها هذه المواقع التي تشهد رواجاً واسعاً على الصعيد العالمي.
واعتبر ناشطون هذه المواقع وسيلة للتعلم ونشر المعرفة وتعزيز التواصل المجتمعي، رافضين اعتبارها وسيلة لنشر الرذيلة نتيجة الاستخدامات السيئة من البعض لهذه المواقع، خاصة في ظل وجود جهاز أمني تابع لوزارة الداخلية معني بمتابعة الاختراقات الأمنية والأخلاقية الناتجة عن الاستخدام السيء للتكنولوجيا الرقمية.
وكانت المفوضية قد بررت موقفها الداعي لقفل هذه المواقع وفق المراسلة لكونها وسيلة لتفشي الرذيلة والانحلال، داعية الجهات الأمنية لبسط ما أسمته الأمن المجتمعي ومعاقبة المتعدين على القوانين واللوائح المعمول بها في هذا المجال.
ودعت، في بيانها، إلى ضرورة التأكيد في الدروس الدينية على “التذكير بمخاطر الدعوات لترك الحجاب وارتداء الملابس الضيقة، وتأييد دور أولياء الأمور في مراقبة أبنائهم، والتمسك بالأخلاق الإسلامية والاحتشام». وزادت على ذلك بدعوة الأجهزة الأمنية إلى «معاقبة كل من يتعدى على القوانين واللوائح المعمول بها، وتفعيل ضوابط السفر واحترام الهيبة الليبية”.
وطالبت وزارة الاتصالات بحظر تطبيق “تيك توك” وموقع “يوتيوب” في ليبيا وحجب المواقع الإباحية، و”مراقبة صفحات التواصل الاجتماعي التي تسعى لتمرير الرذيلة، وإيقاف أي قناة تخالف معايير المجتمع فورا والتحقيق في المخالفات ومنع تفشي الرذيلة والانحلال عبر القنوات المرئية”.
وأثارت هذه الدعوة ردود فعل متباينة بين الليبيين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يدعم المدوّن أبو يوسف الشهيبي، غلق هذه البرامج الافتراضية والتطبيقات. وقال في تدوينة على صفحته بفيسبوك، إن استخدامها في بلاده يتم بشكل سلبي عوض استغلالها بما هو إيجابي، مشيرا إلى المخاطر السلبية التي تحملها وتنشرها لفئة الناشئة.
وأوضح الشهيبي أن تطبيق “تيك توك”، أصبح في ليبيا مساحة لنشر مواد غير أخلاقية كانت إلى وقت قريب تعتبر في خانة المحرمات في ليبيا، مثل الترويج للتعرّي والرقص وكسر حرمة البيوت، من خلال نشر مقاطع مصوّرة توثّق للحياة الخاصّة بين الأزواج وداخل العائلات، بهدف جذب المتابعين والبحث عن الشهرة وكسب الأموال، داعيا الأولياء والجهات المسؤولة إلى التدخل والقيام بأدوارهم التوعوية لترشيد استعمال التكنولوجيا.
لكن الناشط صلاح العقوري كان رأيه مخالفا لذلك، حيث يرى في تدوينة كتبها حول الموضوع، أن الدعوة لحظر منصات رقمية في ليبيا، هو “موقف متخلّف”، مضيفا أن هذه المواقع فيها مقاطع هادفة لشباب ليبيين موهوبين يروجون لثقافة صحيّة وتعليم إرشادي، إضافة إلى استخدامها للتسويق التجاري لأصحاب المشاريع الصغرى.
وانتقد العقوري محاولة فرض الوصاية على مستخدمي التواصل الإجتماعي ومنعهم من التعبير عن آرائهم بكل حرية أو التدخل في اختيار ملابسهم وسلوكياتهم، مشيرة إلى أن هذه المنصات الافتراضية، تعتبر نافذة للتواصل مع العالم، لافتا إلى ضرورة إجراء حوارات مفتوحة وبرامج توعوية مع الأطفال والمراهقين حول كيفية استخدامها، لكن دون اللجوء إلى أسلوب القمع.
من جانبها أعلنت مفوضية المجتمع المدني في بنغازي عن رفضها للبيان الصادر عمّن وصفته بـ”الجسم الموازي”في طرابلس، والذي اعتبرته “يسيء للعمل المدني والإنساني”وقالت مفوضية بنغازي إنها تحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية “لمن انتحل هوية مفوضية المجتمع المدني، وجلس ينفث حقا يراد به باطل”موضحة أن “المفوضية الأم ومجلس إدارتها بمدينة بنغازي منذ العام 2012 ليس لهما أي علاقة بالجسم غير الشرعي، وما يصدر عنه”
وقالت مفوضية المجتمع المدني في بنغازي إنها لا تسمح بانتهاك حقوق وحرية المواطن الليبي، مشددة على أنها “لن تصمت للذود عن الحقوق المدنية والحريات العامة”.
وأكدت في بيانها على “خطورة الاستهانة بالملكية الفكرية وانتهاك الخصوصية الشخصية”،مشيرة إلى أهمية احترام المواطن وعدم الاستهانة بحرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي وحق التقاضي.
في ذات السياق،أظهرت بيانات إحصائية أن عدد مستخدمي الإنترنت في ليبيا ارتفع بنسبة 76.2% خلال السنوات العشر الماضية، من 877 ألف مستخدم عام 2012 إلى 3.7 مليون مستخدم خلال العام الجاري، بما يمثل 49.6% من عدد السكان.
وأفادت بيانات نشرتها منصة «سلايد شير» الأميركية، أن عدد مستخدمي الإنترنت ازداد بنسبة 10.1% خلال عام 2022، بواقع 320 ألف شخص مقارنة بالعام الماضي 2021.
وفي حين يعتمد 99.5% من المستخدمين على الهاتف المحمول، تشير البيانات إلى أن 11.87 مليون شخص متصل بالإنترنت خلال العام الجاري، ما يمثل قرابة ضعف عدد السكان، فق المنصة المتخصصة في عرض البيانات والإحصاءات.
كما تشير البيانات إلى أن عدد مستخدمي السوشيال ميديا في ليبيا وصل إلى 6.4 مليون مستخدم، بما يمثل 91.4% من عدد السكان، وأن عدد مستخدمي تطبيق “تيك توك” سجل 62% لدى الشريحة العمرية من 18- 24 عاما، بينما يمثل 95% من مستخدمي التطبيق من الفئة العمرية الأقل من 35 عامًا، ثلاثة أرباعهم من الذكور، في حين لم تتجاوز نسبة الإناث 25% من مستخدمي “تيك توك”.
إلى ذلك،يرى مراقبون أنه بالرغم من الدور المحوري الدي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في تغذية الحرب و الاقتتال الا أنها تعتبر احدى ضمانات حرية التعبير التي لا يمكن المس بها من خلال الحظر أو الصنصرة تحت أي مسوّغ وتعتبر حرية الإنترنت رهانا حقيقيا من أجل دعم المجتمع المدني المحلي والدولي والدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان في مواجهة الممارسات التعسفية التي تهدف إلى إسكات الناشطين والمعارضين والتضييق عليهم.