وزان : محمد حمضي
قبل أسابيع حرك المغرب جبلا من مكانه من أجل إنقاذ واحدا من أطفاله …. لم يكن هذا الملاك الطاهر غير الطفل ريان ….ولم تكن جغرافية الفاجعة غير قرية بإقليم شفشاون الذي أكرهته سياسات عمومية عدم ركوب قطار التنمية الذي هبت نسائمها على الجهة رغم بطء سرعة هذا القطار ….
الطفل ريان لبى نداء ربه بعد مقاومة عسيرة في قاع بئر منه المآت التي تم حفرها في غفلة -كما يقال- عن أعين السلطتين المنتخبة والادارية، لكن الحقيقة المرة تم ذلك بتواطؤ مكشوف مع الكثير منهم …تواطؤ كانت فاتورته ثقيلة ، تعلق الأمر بالأرواح ، أو بمستقبل شباب المنطقة التي فرضت الهشاشة الاجتماعية على ساكنتها فتحها(المنطقة) في وجه أباطرة المخدرات الذين لا همّ لهم غير الاستنزاف ، أو تعلق الأمر بتدمير الفرشة المائية وتعريض الساكنة للعطش مقابل سقي ” العشبة المتحورة” التي من بين أول ضحاياها الفتيات . كيف ذلك ؟
من قلب الفاجعة نقل “يوتوبور” للمغاربة الذين كانوا يتابعون مجريات عملية انقاذ الطفل ريان ما صرح به والد المرحوم ، متحدثا عن انقطاع ابنته( شقيقة ريان) عن الدراسة ، مرجعا ذلك للظروف الاجتماعية الصعبة التي تكتوي بنيرانها أسرته ؟
أمام زحمة الأخبار المتدفقة من موقع الفاجعة ، لم ينتبه ملايين المغاربة ومنهم/ن الفعاليات الحقوقية والنسائية وتلك المشتغلة في حقل الطفولة لخبر الانتهاك الصارخ لحق من أهم الحقوق الأساسية التي يجب أن تتمتع به شقيقة ريان ، ألا وهو الحق في التعليم ، الذي يضمنه لها دستور المملكة ، واتفاقيه حقوق الطفل وباقي الاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي صادقت عليها بلادنا .
هل وحده الوضع الاجتماعي الهش لأسرة الطفل/الملاك ريان المسؤول عن اقدام أب الأطفال الثلاثة على خطوة حرمان الطفلة من حقها في التعليم ؟ وكم هن الفتيات/التلميذات بنفس الدوار اللواتي تتقاسمن نفس الوضعية الاجتماعية الهشة مع شقيقة ريان نفذت فيهن أسرهن حكما يديم عليهن العيش في الجهل والأمية ، وهو الوضع الذي سيترتب عنه في المستقبل تعطيل مساهمتهن في التنمية ، والاستمرار في ممارسة كل أشكال العنف عليهن ….في كلمة واحدة العيش بدون كرامة، والتواجد خارج عجلة التاريخ، في زمن تنتقل فيه الشعوب بما فيها الشعب المغربي من المطالبة بالحق في المساواة إلى المطالبة بالمساواة في الحقوق.
لذلك للثامن( من مارس هذه السنة بدوار إقامة أسرة الطفل ريان رحمه الله طعم خاص …. الفاجعة لم يلتئم جرحها بعد ، ولكن “تخليد” نساء دوار الفاجعة لهذه المحطة التاريخية يسائل المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بشفشاون، عن مدى حضورها بالدوار كما باقي الدواوير لوضع حد للهذر المدرسي الذي يفتك بطفلات اليوم نساء الغد … وعن برنامجها لانتشال شقيقة ريان ومن معها ومثلها من براثين الأمية في زمن تغير فيه تصنيف الشخص الأمي … المكلفون بإنفاذ القانون بجهة طنجة تطوان الحسيمة التي تنتمي لها شقيقة ريان مطالبين أكثر من غيرهم بضخ جرعات من الأمل ….وهم ينخرطون في تفعيل نداء مراكش ( بروتوكول مناهضة العنف ضد النساء) الذي ترأست الأميرة للامريم حفل توقيعه …..
إن استمرار شقيقة ريان خارج أسوار المدرسة يسائل بدرجات متفاوتة ضمائر السلطات العمومية ، وباقي الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين كما الآلية الجهوية الحقوقية ، عن الخطوة التي أقدم عليها كل طرف من أجل ضمان حقها ( شقيقة ريان) في التعليم الذي اضطراريا (ثقافيا واجتماعيا) خاصمت مقعدها بمدارسه العمومية …..وجود طفلات المغرب مبعدات عن مقاعد المدارس العمومية يشكل قنبلة موقوتة في جسد البلد… والبلد لن ينجح في تحريك جباله من أجل احباط انفجارها …. لا أمل في تنزيل المشروع التنموي الجديد وطفلات المغرب خارج عجلة التنمية ….
رحم الله الملاك الطاهر ريان الذي سلط رحيله بالشكل الذي عاشه المغاربة ، الضوء على رحيل مأسوي من نوع آخر تعيشه طفلات المنطقة ، نساء الغد …. إنه حرمان شقيقته وفتيات كثيرات بالمنطقة وبالدوار من حقهن في التعليم …. حرمان يشرع الأبواب أمام التمييز بسبب الجنس والموقع الاجتماعي اللذان يحظرهما دستور المملكة …ويشرعها أمام تجدر العنف ضد المرأة …. وكل 8 مارس سنظل نردد: عيد بأي حال عدت يا عيد ، هل بما مضى أم بما فيه تجديد …