بقلم : أمين سامي*
تعتبر المعرفة القوة الناعمة لإنجاز القفزات النوعية في سلم الأمم، فهي رافعة للتقدم والازدهار على أصعدة عدة. وبذلك، تتسابق الدول على إرساء الأسس المتينة لمجتمع المعرفة، المجتمع القادر على توظيف العلم لاتخاذ القرارات وتحقيق الغايات، عبر تعزيز الابتكار والإنتاج، والذي يحسن تطوير كفاءات الفاعل البشري، في سبيل التنمية الإنسانية الشاملة. إنه المجتمع الذي يشحذ القوة، ويملك كل المقومات لمواجهة العقبات الناجمة عن الإرث التاريخي والواقع الجغرافي. وفي سياق متصل، تقوي المعرفة الديناميكية الاقتصادية، حيث تستخدم المؤسسات البحثية، المعاهد الفكرية والأقطاب التكنولوجية المعلومة أساساً لإقامة نظام للابتكار الوطني وسياسة تكنولوجية تنافسية، ما جعل المنتجات والخدمات المعرفية تتجاوز نسبة 80% من الناتج الداخلي الخام العالمي، وتخلق ثلثي فرص الشغل في كل أنحاء المعمورة. وبالتالي، تؤهل المعرفة القدرات البشرية، وتمكن الإنسان من التحكم في زمام التطوير والرخاء.
وفي النطاق نفسه، يرتبط مجتمع المعرفة بالثقافة، فيما يخص إطلاق العنان للمواهب الإبداعية والاهتمام بالعامل التكنولوجي لنشر الوعي وصناعة الفكر، لكي يسود العلم في المجتمع، ويصبح مرجعاً في التكوين الشعبي، مهما تفاوتت الطبقات الاجتماعية.
بناءً على ما تقدم، تبدو الحالة العربية بعيدة عن خصائص مجتمع المعرفة المنشود، فالنظام التعليمي العربي يولد البطالة بنسب مرتفعة، تصل إلى 30%، والبحث العلمي عاجز عن الاختراع والنشر في ظل مردودية محدودة للباحث العربي، لا سيما في تخصصاتٍ بعينها، كالدراسات المستقبلية، العسكرية والطبية، إذ يبلغ مجموع المنشورات العلمية العربية ما مقداره 1.4% من الحصة العالمية، في حين تحقق البلدان المتقدمة 70% مع هجرة مضطردة للأدمغة العربية، بنسبة 35% عالميا. كما تعاني المؤسسة الأكاديمية العربية من ضعف الإنفاق على البحث العلمي، إذ لا يتجاوز 0.2 %، بينما تخصص الدول المتقدمة 4% من ميزانيتها للبحث والتطوير، فالولايات المتحدة وحدها تستحوذ على 37% من الميزانية العالمية للبحث العلمي، وتليها اليابان بنسبة 12%.
بالإضافة إلى ذلك فالتعليم في الوطن العربي في وضعه الحالي لا يدعم التحول إلى الابتكار في البحث و الابتكار والمساهمة في خلق مجتمع المعرفة و بالتالي لا يمكن إدارة البحث و التطوير و الرقي بهما بمعزل عن إصلاح النظام التعليمي.
كما يتضح وجود فجوة كبيرة بين البحوث والاحتياجات التنموية، حيث يتضح أن هناك ضعف الربط بين الإنفاق على البحث و التطوير و نمو الناتج المحلي الإجمالي ، بالإضافة إلى ضعف تسخير الابتكار و تشجيع سياسة الإبداع ضف على ذلك ضعف الترابط بين المجال الأكاديمي و العلوم و الصناعة بفعل القيود على المعلومة و التمويل في الوسط الأكاديمي.
إن التعليم اليوم في الوطن العربي لا يساعد بشكل جلي على تشجيع الإبداع و الابتكار و بالتالي تتسع الفجوة بين البحوث الأكاديمية و الاحتياجات التنموية مما يسهم في ارتفاع البطالة و بالتالي فنحن أمام خيارين إما تذليل البطالة من خلال رسم سياسات تشغيلية محددة في المجال و المدة و تشجيع البحوث و أجرأتها على أرض الواقع من خلال مشاريع مبتكرة و مبدعة تلبي الاحتياجات التنموية، وإما فنحن نقوم بتأزيم الوضع أكثر مما هو عليه، ونقوم بخلق قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة حسب تعبير السوسيولوجي المغربي : نور الدين الزاهي.
وأخيرا ضعف السياسات المتعلقة بالعلم و التكنولوجيا و الابتكار، حيث يظهر من خلال التقرير العربي للتنمية المستدامة لسنة 2020 إخفاق معظم الدول العربية في تحفيز و إنتاج المعرفة بفعالية لأنها تركز على توسيع البحث و التطوير بمعزل و دون إشراك مجتمع الأعمال و بالتالي لايتم التنسيق و الربط بالشكل المطلوب، لذا يجب إعادة النظر في السياسات المتعلقة بالعلم و التكنولوجيا و الابتكار .
وبالرجوع إلى مؤشر المعرفة لسنة 2020 نلاحظ أن الدول العربية احتلت مراكز متقدمة و متوسطة بالنسبة للدول النفطية و متأخرة بالنسبة للدول غير النفطية ، فعلى سبيل المثال احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة 15 عالميا من أصل 138 دولة التي شملها البحث أما على مستوى مؤشر البحث و التطوير و الابتكار احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة 29 ، في حين احتل المغرب المرتبة 83 من أصل 138 على المستوى العام ، أما على مستوى المؤشرات القطاعية احتل المرتبة 82 على مستوى البحث و التطوير و الابتكار، هذا على سبيل المثال و بالتالي أصبح لزاما إعادة النظر في السياسات المتعلقة بالعلم و الابتكار و التكنولوجيا وربطها مع مجتمع الأعمال.
على هذا الأساس، يجب أن يشكل مجتمع المعرفة مشروعاً شاملاً ومتكاملاً للأمة العربية، تتجلى خطوطه الناظمة في محاور رئيسية: 1-إصلاح قطاع التعليم والبحث العلمي. 2-نهضة ثقافية وفكرية. 3-تغيير اقتصادي ومؤسساتي. وأخيرا يمكن القول، إن العلم صار ساحة للوغى، تتبارى فيها الدول، من أجل مواصلة الركب الحضاري، وإنجاز الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من الإكراهات الكثيرة.. ويعد مجتمع المعرفة بالنسبة للعالم العربي ضرورة حتمية، وبالتالي فبدون الإرادة المسؤولة والإدارة الحكيمة لمختلف مرتكزات المعرفة لا يمكن تحقيق نهضة عربية حقيقية تواكب تحديات المرحلة الجديدة وبالتالي يبقى العلم وخلق مجتمع المعرفة هو الحل الوحيد في سبيل مستقبل عربي عنوانه: العلم هو الحل.
*خبير في التخطيط الاستراتيجي للمنظمات غير الحكومية.
المصادر والمراجع : ١. مقال حول موضوع : مجتمع المعرفة في العالم العربي، الإمكانات و المسارات للكاتب : يونس بلفلاح 14 أكتوبر 2014.
٢. التقرير العربي للتنمية المستدامة لسنة 2020 الصادر عن الاسكوا.
٣. تقرير مؤشر المعرفة العالمي لسنة2020 .