مرّ شهر رمضان على الجزائريّين هذا العام، في ظلّ الحجر المنزليّ ليلًا، فكان مجرّدًا من أهمّ ما فيه من طقوس، في نظرهم، وهي السهرات والخرجات اللّيليّة، إذ كانت الحكومة صارمةً في تطبيق تعليمتها القاضية بمنع المركبات والأشخاص من التنقّل، بعد السّاعة السّابعة مساءً، وحرّرت مخالفاتٍ في حقّ كلّ من ارتكبها
وترتّب عن هذا الإجراء الوقائيّ تذمّر البعض؛ فعبّروا عنه في مواقع التّواصل الاجتماعيّ، كما عبّروا عن تمنّيهم ألا يشمل منع الحركة يومي عيد الفطر. لكنّ تعليمةً حكوميّةً بمنع المركبات والزّيارات على اختلافها، خلال “العيد الصّغير” أوقعت تلك الانتظارات الشّعبيّة في الماء.
وبين مساند لقرار الحجر واستمراره، إلى فترة أخرى، إذ لم تتراجع حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى ما دون 150 حالة يوميًّا، ومطالب برفعه مع اتّخاذ إجراءات التّباعد الاجتماعيّ، فاجأ وزير التّجارة كمال رزّيق الجزائريّين، على صفحته الرّسميّة، باختراقه لتعليمة الحكومة القاضية بمنع الزّيارات بين المواطنين، حيث نشر إعلانًا مرفوقًا بالصّور، عن قيامه بزيارة عائليّة إلى مدينة بوفاريك، 40 كيلومترًا إلى الجنوب من الجزائر العاصمة
د في منشور الوزير الذّي يأتي في صدارة الوزراء الحاليّين كثيري الظّهور ومثيري الجدل، في مواقع التّواصل الاجتماعيّ: “تشرّفت اليوم بزيارة أعرق حيٍّ في مدينة بوفاريك، لرؤية الأصدقاء والأحباب والقيام بواجب المعايدة”.
حظيت خطوة الوزير بتفاعلات كبيرة، من طرف روّاد موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، حيث صبّ معظمها في اتّجاه كونها تتعارض مع دعوة الحكومة المواطنين إلى الالتزام بواجب البقاء في البيوت، يومي العيد، وتجنّب التنقّلات والزّيارات التّي كانت أكثر ما يميّزهما.
هنا، يقول النّاشط عبد الرّحمن هيلول إنّه كان منتظرًا من الوزير أن يستغلّ كونه يحظى بمتابعة بشعبيّة كبيرة، بالنّظر إلى قراراته الجريئة في قطاع التّجارة، أن ينشر منشورًا يقول فيه إنّه لم يقم بزيارة أحد من أهله وأقاربه، تطبيقًا للتّعليمة الحكوميّة، “حتّى يكون قدوةً للمواطنين، لا أن يفعل العكس”. ويسأل محدّث “الترا جزائر”: “ثمّ إنها زيارة عائليّة أصلًا تعنيه بصفته إنسانًا، فلماذا يعلن عنها في صفحته التّي تتعلّق بكونه عضوًا في الحكومة”.
يبدو أنّ بعض أعضاء الحكومة، يقول عبد الرّحمن هيلول، ينسون في غمرة سعيهم إلى الظّهور بمظهر المسؤول المتحلّي بالرّوح الشّعبيّة، أنّهم يمنحون القدوة لبعض المواطنين، في ما يقولونه ويفعلونه، فلا يراقبون إن كانت هذه القدوة حسنةً أم سيِّئة”.
من جهته، يقول الطّالب الجامعيّ خليل بن قرّي، إنّ الشّرطة حرّرت مخالفات في حقّ مواطنين خالفوا تعليمة الحكومة الدّاعية إلى ترك الزّيارات يومي العيد، “فلماذا لا تفعل ذلك أيضًا مع وزير التّجارة معتمدةً على منشور يؤكّد، في صفحة رسميّة، خرقه التّعليمةَ الحكوميّة؟ لماذا لا نكون مثل الشعوب الدّيمقراطيّة، حيث لا فرق بين حاكم ومحكوم؟”. ويضيف بن قرّي: “كلّنا يعلم أنّ الوزير يقيم في الجزائر العاصمة، وأنّ مدينة بوفاريك تبعد عنها بأربعين كيلومترًا، وهذا يعني أنّه استعمل السّيّارة. وفي هذا مخالفة أخرى”.
من جهتها، كتبت النّاشط السّياسيّة مسعودة شاب الله، في تدوينة فيسبوكيّة لها أنّ “الرّاس يحبس”، وهي عبارة يكنّي بها الجزائريّون عن روح المفارقة في المواقف، حين ترى وزيرًا في الحكومة يخرق تعليمة حكومته، ويزور “الأصحاب والأحباب” يوم العيد.
في السّياق نفسه، كتب الإعلامي عامر بوقطّاية: “الدّولة تضع تعليمة تمنع الزّيارات. وأوّل من خالفها عضو في الحكومة، ويتباهى بذلك في فيسبوك وتويتر”. وتساءل الجامعيّ حاج عيسى كوزي: “وزير يخالف تعليمات الحكومة. نحن ماذا تركت لنا؟”.
مثل هذه التّفاعلات الفيسبوكيّة الشّعبيّة مع خرجات ومواقف أعضاء الحكومة، تلعب دور المحاكمات التّي أدّت في السّابق، ويُنتظر منها أن تؤدّي مستقبلًا إلى محاصرة الحكومة وضبط خطواتها، بما يجعلها تحسب حسابًا لكلّ خطوة تخطوها. وهذا من الثّمار الإيجابيّة لمسعى الحراك السّلميّ الذّي توقّفت مسيراته في الميدان، بسبب جائحة كورونا، واستمرّت روحها في مواقع التّواصل الاجتماعيّ. فهل يسحب الوزير كمال رزّيق منشوره؟
عبد الرزاق بوكبة