صرحت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي بمجلس النواب امس الاثنين 16 يونيو الجاري، أن “الأسعار تعرف انخفاضات متتالية منذ بداية سنة 2025″، غير أن هذا تصريح بدا للكثير من المغاربة وكأنه صادر من عالم مواز لا صلة له بالواقع المعاش.
فبينما تتحدث الوزيرة عن “انخفاضات”، يعيش المواطن يوميا ارتفاعا غير مسبوق في كلفة الحياة، من الخضر إلى اللحوم، ومن النقل إلى الكراء، ومن التعليم إلى الترفيه، بل وحتى أبسط الضروريات.
من يستمع إلى حديث الوزيرة قد يظن أن المغرب يعيش مرحلة رخاء اقتصادي، وأن القدرة الشرائية في تحسن، غير أن الواقع الصادم في الأسواق وفي البيوت يحكي قصة أخرى. سعر الطماطم لم ينزل عن عشرة دراهم، والزيت ما زال يحلق في الأسعار، والسمك يندر حتى في المدن الساحلية، أما اللحوم، فقد أصبحت مادة موسمية للعديد من الأسر، بينما لم تعد الخبزة اليومية بنفس الجودة ولا بنفس الحجم، وإن حافظت على السعر، فقط شكليا.
هذا التصريح يأتي وكأنه حملة أكثر من كونه إقرارا بوضع اقتصادي حقيقي. فكيف يعقل أن تتحدث وزيرة المالية عن انخفاض الأسعار، في وقت أصبح فيه اقتناء ملابس بسيطة للأطفال عبئا على الأسر؟ كيف نصدق خطاب الحكومة، وسوق السيارات المستعملة بات أغلى من سوق السيارات الجديدة قبل ثلاث سنوات؟ كيف يمكن للمواطن أن يصدق وجود “انخفاضات” وهو يُجبر على الاقتراض لتغطية مصاريف الدراسة، أو لتأمين العلاج، أو فقط للوفاء بالتزامات الحياة العادية؟.
وفي البرلمان، أضافت الوزيرة أن “الحكومة لا تختبئ خلف العوامل الخارجية”، مع العلم أن هذه العوامل كانت لسنوات الذريعة الرسمية الأولى لكل أزمة: الجفاف، الحرب في أوكرانيا، كوفيد، سلسلة التوريد، وغير ذلك. اليوم، وقد اختفت هذه المبررات تدريجيا، تسير الحكومة في اتجاه الإنكار التام للمعاناة، وتحاول إقناع المواطنين بأن الإحساس بالضيق المعيشي مجرد وهم أو مبالغة.
ما يزيد الأمر إيلاما هو تجاهل الطبقة السياسية للهوة التي تتسع بين الواقع والخطاب، حين يصبح من شبه المستحيل أن تقضي أسرة مغربية من الطبقة المتوسطة عطلة قصيرة داخل بلدها، وحين تعجز عن سداد مصاريف مدارس الأطفال إلا بالاستدانة أو التقشف، فإننا لا نتحدث فقط عن أزمة اقتصادية، بل عن أزمة ثقة في المؤسسات.
المغاربة لا يطلبون مستحيلات، بل فقط أن يعترف بمعاناتهم، وأن يكون الخطاب الرسمي مرآة للواقع لا واجهة لتجميله. قبل الحديث عن انخفاض الأسعار، كان حريا بالحكومة أن تنزل إلى الشارع، أن تستمع لما يقوله المواطن في الطوابير، أن تراقب الفاتورة اليومية للأسرة، أن تسأل عما تبقى من دخلها نهاية الشهر. عندها فقط، يمكن لأي خطاب رسمي أن يُبنى على قاعدة من الصدق، لا على رغبة في طمأنة مصطنعة لا أحد يصدقها.