يبدو أن النظام العسكري الحاكم في الجزائر قد اختار مجددًا طريق التصعيد، ولو على حساب مصالح شعبه، عبر سلسلة قرارات انفعالية تُفاقم من حدة التوتر الدبلوماسي مع فرنسا.
ففي الوقت الذي تتطلب فيه الأزمات بين الدول حكمة وهدوءًا، لجأت السلطات الجزائرية إلى منطق رد الفعل، متجاهلة التداعيات المباشرة على العلاقات الثنائية، ومصالح الجالية الجزائرية في فرنسا، والأوضاع الاقتصادية والسياسية الداخلية التي لا تحتمل مزيدًا من العزلة.
أحدث فصول الأزمة تمثّل في طرد 12 موظفًا دبلوماسيًا فرنسيًا، وهو قرار وصفته باريس بأنه جاء ردًا على توتر متراكم، واتخذته مؤسسة الرئاسة الفرنسية بشكل مباشر. إلا أن النظام الجزائري، وبدلًا من التعامل مع الجهة الفعلية صاحبة القرار، اختار أن يصبّ غضبه على وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها محاولة مكشوفة لتحويل الأنظار عن أصل الأزمة، وصناعة “عدو إعلامي” يتماشى مع الرواية الرسمية المعتادة.
في خضم هذه الفوضى السياسية، كُلّف كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية في الخارج، سفيان شايب، بشنّ هجوم إعلامي باللغة الفرنسية على روتايو، متهمًا إياه بـ”فبركة الأزمة بالكامل”، متجاهلًا أن القرار الفرنسي جاء من قصر الإليزيه لا من وزارة الداخلية. هذا الخطاب، الذي طغى عليه التوتر والاتهامات، لم يأتِ بجديد سوى أنه يعمّق من عزلة الجزائر ويزيد من تعقيد العلاقة مع أحد أبرز شركائها الدوليين.
الخطير في الأمر أن النظام لا يبدو معنيًا فعليًا بنتائج هذه المواجهة، بقدر ما يسعى إلى تغذية نظرية المؤامرة، وكأن الشعب بحاجة إلى عدو خارجي ليصرف انتباهه عن مشكلات داخلية مزمنة: اقتصاد هش، بطالة متصاعدة، وغياب واضح للإصلاحات السياسية الحقيقية.
في النهاية، فإن الخاسر الحقيقي من هذا العناد السياسي هو المواطن الجزائري، سواء في الداخل، حيث تتأثر البلاد بجمود اقتصادي وعزلة دبلوماسية، أو في الخارج، حيث يعاني أفراد الجالية من تبعات قرارات لا تخدم مصالحهم ولا تحفظ كرامتهم.