التنظيمات المسلحة بالساحل وآثار الأمن الغذائي بشمال إفريقيا (تقرير)

أصدر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، التقرير السنوي 2023، حول “مسح النزاعات المسلّحة حول العالم”، ورسم صورة قاتمة، لتفاقم حجم النزاعات حول العالم، واللجوء إلى العنف كحلّ لمشاكل جيوسياسيّة معقدة، مع الإشارة أن الصراعات الحدودية السّمة الغالبة في الصراعات الدولية، حيث تم رصد حسب التقرير 183 صراعاً مستمراً عبر العالم خلال عام 2023، جلها ستبقى عصيّة على الحل إقليمياً؛ ولدى 80% من هذه التنظيمات المسلحة هيمنة محلية أو إقليمية، تثير أنشطتُها مخاوف إنسانية، كما أصبحت تمتلك أهمية متزايدة بوصفها أطرافاً متحاربة، وأصبحت جهات فاعلة سياسياً، وتحكم السكان الخاضعين لسيطرتها، لتدهور شرعية دولة هشة ما، أو نفوذها.

وأوضح التقرير أن العالم “تهيمن عليه الصراعات المعقّدة والعنف المسلّح في ظل تزايد عدد الفاعلين والدوافع المتشابكة والتأثيرات العالمية وتسارع وتيرة التغير المناخي”، وحذر النظر إلى هذه الصراعات المسلحة ك”أداة سياسيّة مفيدة”.

فالسمة المميزة لمشهد الصراع العالمي المعاصر وسط انتشار الجماعات المسلحة غير الحكومية ذات الدوافع المعقدة والمتداخلة والتدخل الخارجي وتسارع تغير المناخ. ومع تدهور شرعية الدولة -الهشة-، أصبحت الأهمية المتزايدة للجماعات المسلحة من غير الدول كأطراف صراع وجهات سياسية فاعلة محركًا رئيسيًا للتعقيد، إلى جانب صعود ومشاركة القوى الناشئة والتعديلية في الصراعات الداخلية التي لا تلتزم تمامًا بالمبادئ الديمقراطية أو القواعد السائدة القائمة على القواعد. النظام الدولي. ويساهم هذا الأخير أيضًا في التراجع الديمقراطي في العديد من المناطق الهشة في العالم وفي زيادة الانقسام الجيوسياسي

عوامل أرضية الصراع، وجود عدد كبير من الجماعات المسلحة المتنوعة من غير الدول، فضلاً عن تضاؤل ​​نفوذ الجهات الفاعلة والعمليات التقليدية في مجال حل النزاعات؛ يبقى التدويل المتزايد للحروب الأهلية، من خلال تدخل عدد متزايد ومجموعة من القوى الإقليمية والعالمية سعياً لتحقيق مصالحها الاستراتيجية مما يزيد من تفاقم الانقسامات الجيوسياسية، وتجاهل المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، مما يساهم في إضعاف المؤسسات الديمقراطية وعسكرة السياسة والانقلابات . والدفع إلى تدخل طرف ثالث في الحروب الأهلية في البلدان الهشة الغنية بالموارد، في حين تعمل على تضخيم (أو خلق) مصادر جديدة للنزاعات بين أطراف الصراع الداخلي.

وترى إيرينا ميا، الباحثة وعضو فريق التقرير، أن التعقيد الحالي للحروب الحالية يكمن في أنها غالباً ما تتميز بأن من أطرافها عدداً كبيراً من الجماعات المسلحة المتنوعة غير الحكومية، فضلاً عن التدخل الخارجي في شؤون البلدان.

وتعزو هذا التطور في النزاعات إلى “تضاؤل ​​نفوذ الجهات الفاعلة والعمليات التقليدية في مجال حل النزاعات، ما يجعل التقدم في تسويتها مهمة شاقة، ويساهم في إطالة أمدها، ويؤدي إلى تضاؤل ​​احتمالات تحقيق السلام الدائم”.

واعتمدت المقاربة التحليليّة من طرف خبراء المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية على تحليل البعد الإقليمي لالتقاط العوامل العابرة للحدود والآثار الناجمة عن الصراعات.، وركّزوا على الاتجاهات ذات الأهمية الاستراتيجية العالمية والإقليمية، والأبعاد السياسية والعسكرية والإنسانية لجميع الصراعات النشطة،

وحسب الباحثين فإن توسّع النزاعات لا يقتصر على الممارسات السياسية، بل توجد عوامل أخرى تدفع إلى تطور خريطة الأزمات المسلّحة ومنها تقلبات التغيّر المناخي المتسارع، وانعدام الأمن الغذائي وانتشار الجماعات المسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء وعودة حركة طالبان، بوصفها عوامل جبهات جديدة لكل من جذور الصراع المسلح والضعف المؤسسي في البلدان الهشة، إضافة إلى ديناميّات تجارة المخدرات، ومناطق الصراع الجديدة في الأمريكتين.

وأشار التقرير إلى أن:”التنظيمات المسلحة غير الحكومية المنتشرة التي تتقوى باستمرار هي من بين الأسباب الرئيسية لهذا الوضع، ورغم أن دوافعها وهياكلها وأساليب عملها تختلف اختلافاً كبيراً داخل البلدان وعلى الصعيد العالمي، فإن لديها بعض السمات المشتركة”.

 التنظيمات المسلحة بمنطقة الساحل

تعتبر منطقة الساحل، من المناطق الأكثر تأثرا بالصراعات على مستوى العالم،  وإن معظم الصراعات هناك لها عناصر داخلية وإقليمية ودولية تساهم في تعقيدها.

وشملت التطورات نهاية عملية برخان الفرنسية وانسحابها من مالي وبوركينافاسو؛ وكذا النيجر، والانسحاب المعلن لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، وسط انقلابات عسكرية في مختلف أنحاء منطقة الساحل.

كما عرفت زيادة العنف الجهادي بشكل ملحوظ، في حين اقتصرت الجماعات الجهادية رالجماعات المتمردة على التعاون فيما بينها في بلدان المنطقة.

ففي منطقة الساحل، يؤثر التمرد الجهادي في المقام الأول على مالي وبوركينا فاسو، والنيجر. ومركز الصراع هو منطقة الحدود الثلاثية بين الدول الثلاث، منطقة ليبتاكو-غورما.

 وتعد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) الجماعة الجهادية الرئيسية العاملة في هذه المنطقة. وهي عبارة عن رابطة مكونة من خمس منظمات رئيسية وفصائل أخرى، وزعيمها هو إياد أغ غالي، وهو من مقاتلي الطوارق.

أما الجماعة المسلحة الجهادية غير الحكومية الأكثر نشاطًا في مالي، هي كتيبة ماسينا (أحد فصائل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين)، التي يقودها أمادو كوفا. هي الجماعة مسؤولة عن التمرد في وسط مالي وعن التوغلات الرئيسية في البلدان المجاورة.

كما أن مجموعة منشقة عن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا تقاتل الآن ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وميليشيات أخرى مختلفة في شمال مالي.

وفي بوركينا فاسو، تنشط جماعة أنصار الإسلام، وهي جماعة قريبة جداً من كتيبة ماسينا.

كما يتركز التمرد الجهادي لهذه التنظيمات المسلحة في حوض بحيرة تشاد، وغالبا في نيجيريا، وبشكل خاص على ولايات أداماوا وبورنو ويابي.،ويمتد الكاميرون وتشاد والنيجر ويعد أنصار وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP) الجماعتين المهيمنتين في المنطقة. فهي تختلط بشكل متزايد مع أنشطة العديد من الميليشيات المتورطة في أعمال اللصوصية والاختطاف وسرقة الماشية والصراعات المجتمعية المحلية

وفي هذا السياق، وبعد انسحاب فرنسا، وحدوث تغير في السلطة بهذه الدول، هل هذه الانظمة الجديدة التي لقيت ترحيبا شعبيا، ستتغلب على المعوقات الأمنية التي تواجهها، وفتح حوارات داخلية-داخلية، لانجاح المصالحة مع الجماعات المتمردة، ومواجهة التنظيمات المسلحة.

تحديات الأمن الغذائي في شمال إفريقيا:

وكان الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية سبباً في تفاقم الضعف الشديد الذي تعاني منه المنطقة في مواجهة تغير المناخ، الأمر الذي أدى إلى خلق أزمة كبرى تتعلق بانعدام الأمن الغذائي، وخاصة في البلدان التي تعتمد على الاستيراد، وخاصة في شمال أفريقيا. خصوصا الجزائر وتونس ومصر.

ونعد منطقة شمال أفريقيا واحدة من المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، حيث يمثل تعرضها لآثار تغير المناخ تحديا كبيرا للإنتاجية الزراعية، وقد أثر ارتفاع درجات وأنماط هطول الأمطار غير المنتظمة بشكل متزايد على إنتاج الغذاء المحلي، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض توافر القمح.

وقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم اضطرابات سلسلة التوريد المرتبطة بجائحة كوفيد-19، كما أدت إلى تفاقم اتجاهات الضعف هذه، نظرا لاعتماد شمال أفريقيا على القمح الأوكراني.

الذي ساهمت مبادرة حبوب البحر الأسود التابعة للأمم المتحدة، والتي تم إطلاقها في يوليو 2022، من تحقيق استقرار التدفقات التجارية إلى شمال إفريقيا وأسعار المواد الغذائية فيها من خلال تسهيل صادرات أوكرانيا.

– ففي ليبيا، ارتفعت نسبة إجمالي السكان الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي باستمرار خلال السنوات القليلة الماضية ووصلت إلى 39.8% في الفترة 2020-2022، مقارنة بـ 30.9% في الفترة 2015-2017.

– وفي الوقت نفسه، شهدت الجزائر انخفاضًا بنسبة 12.2% في القدرة على تحمل تكاليف الغذاء بين عامي 2019 و2022.

– أما تونس فلجأت إلى تقنين الغذاء، وهي الخطوة التي أثارت احتجاجات

– وفي المغرب من المتوقع أن يكون إنتاجه من القمح للعام 2022/23 أقل بكثير من المتوسط، بسبب ظروف الجفاف، والتي تتسق مع التغيرات المناخية المتوقعة في المنطقة.

– وأما مصر، بعدد سكانها الكبير والمتسارع النمو، معرضة لخطر كبير. ويتجاوز الطلب على القمح الإنتاج المحلي بسرعة، مما يعرض البلاد لتقلبات الأسعار باعتبارها واحدة من أكبر المستوردين الصافيين في العالم. علاوة على ذلك، من المحتمل أن يكون الإنتاج الزراعي قد وصل بالفعل إلى الحد الأقصى في البلاد، في حين أن العديد من المناطق الإنتاجية، وخاصة على طول نهر النيل وفي دلتا النيل، معرضة بشدة لتأثيرات المناخ، بما في ذلك ارتفاع منسوب مياه البحر وتسرب المياه المالحة، لكن على الرغم من تأثر مصر بارتفاع الأسعار المرتبط بالحرب في أوكرانيا، فإن الأزمة لم تكن كارثية كما كانت في السنوات التي سبقت الربيع العربي.

فقدرة منطقة شمال إفريقيا على معالجة هذه الأزمات المتعددة سيكون لها آثار مهمة على ديناميكيات الأمن الإقليمي، فضلاً عن أمن الطاقة العالمي.

وفيما يلي البلدان المتأثرة بالصراعات المسلحة 2023:

– روسيا-أوكرانيا
– سوريا
– أرمينيا-أذربيجان (ناجورنو كاراباخ)
– العراق
– جمهورية الكونغو الديموقراطية
– جنوب السودان
– اليمن
– النيجر
– تشاد
– مالي
– موزمبيق
– ليبيا
– مصر
– الصومال
– السودان
– هندوراس
– جمهورية افريقيا الوسطى
– فيلبين
– بوركينا فاسو
– السلفادور
– إسرائيل – الأراضي الفلسطينية
– نيجيريا
– كولومبيا
– كشمير
– أفغانستان
– الكاميرون
– هايتي.

مقالات ذات الصلة

21 نوفمبر 2024

بعدما خلق جدلا في فترة بنموسى.. برادة يتجه نحو مراجعة سن التوظيف في قطاع التعليم

21 نوفمبر 2024

إعطاء انطلاقة مشاريع مائية بالداخلة وطانطان والسمارة

21 نوفمبر 2024

الحاجيات المائية بالأقاليم الجنوبية تتجاوز 29 مليون متر مكعب في السنة

21 نوفمبر 2024

انبهار السفير الفرنسي بالمغرب بمستوى التنمية بالأقاليم الجنوبية للمملكة