أطلق المغرب خطوة استراتيجية غير مسبوقة في مسار تعزيز استقلاله الدفاعي، من خلال بدء التحضيرات الفعلية لإنشاء أول مصنع وطني لإنتاج العربات المدرعة، بشراكة تقنية وصناعية مع شركة Tata Advanced Systems Limited، الذراع الدفاعي لمجموعة “تاتا” الهندية الرائدة في الصناعات العسكرية.
المشروع الذي سيقام في مدينة برشيد، دخل مراحله الأولى بعد تقديم طلب رسمي لإنجاز دراسة التأثير البيئي وفق القانون رقم 12-03 المتعلق بحماية البيئة، وهو ما تمت المصادقة عليه من طرف السلطات المحلية، على أن تنطلق المشاورات العمومية مع الساكنة بين 28 يوليوز و16 غشت 2025.
ويأتي هذا المشروع كثمرة لاتفاقية استثمار تم توقيعها في شتنبر الماضي بين إدارة الدفاع الوطني والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات من جهة، ومجموعة “تاتا” من جهة أخرى، بهدف إطلاق صناعة دفاعية متقدمة داخل المغرب.
ويرتكز هذا المشروع على تصنيع العربات المدرعة WhAP 8×8، وهي آليات برمائية متعددة المهام، طورتها الهند، وتتميز بقدرات عالية على التنقل في مختلف التضاريس، وتُستخدم أساسًا في مهام نقل الجنود والمشاركة في العمليات القتالية الميدانية.
وحسب المعطيات التقنية، يطمح المشروع إلى تصنيع أزيد من 400 عربة، سيُخصص 150 منها للقوات المسلحة الملكية المغربية، على أن يتم إنجاز المشروع خلال ثلاث سنوات، مع انطلاقة بنسبة إدماج محلي تبلغ 35%، لتصل إلى 50% لاحقًا في إطار رؤية تدريجية لتعزيز الصناعة الوطنية.
ومن المتوقع أن ينتج المصنع حوالي 100 عربة سنويا، ويوفر 90 منصب شغل مباشر، إلى جانب حوالي 250 فرصة عمل غير مباشرة ضمن سلاسل التوريد والخدمات المرتبطة.
ويمثل هذا المشروع نقلة نوعية في استراتيجية المغرب الدفاعية، إذ يعكس التزاما واضحا بتقليص التبعية للخارج في مجال التسلح، وبناء قدرات وطنية قائمة على المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، انسجامًا مع الرؤية الملكية الداعية إلى تحقيق السيادة الصناعية في القطاعات الحيوية وعلى رأسها الأمن والدفاع.
ولا يأتي هذا التطور بمعزل عن الدينامية التي تعرفها القوات المسلحة الملكية، والتي انفتحت خلال السنوات الأخيرة على مصادر تسليح متعددة، بما فيها التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة، والطائرات المسيرة، والمروحيات الهجومية، ومنظومات الدفاع بعيدة المدى.
كما يندرج هذا الورش الصناعي في إطار رغبة المغرب في إرساء شراكات استراتيجية مع فاعلين دوليين بارزين، بهدف نقل التكنولوجيا، وتعزيز سلاسل القيمة المحلية، وفتح آفاق مستقبلية للتصدير نحو أسواق إفريقية ودولية.