أكد مشاركون في ندوة دولية نُظمت، اليوم الأربعاء بالرباط، أن بلورة سياسات هجرة متوازنة وفعالة تستدعي اعتماد رؤية تنموية مشتركة ترتكز على منطق التنقل المتكافئ، القائم على الثقة والاحترام المتبادل بين الدول.
وسلطت الندوة، التي نظمتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، بشراكة مع معهد الدراسات الجيوسياسية التطبيقية، الضوء على موضوع “الرهان الأوروبي على الهجرة في إفريقيا.. نموذج جديد للتعاون أم طريق مسدود؟”، حيث شدد المتدخلون على ضرورة التعامل مع الهجرة باعتبارها ظاهرة بنيوية تتطلب مقاربة شمولية متعددة الأبعاد.
وفي هذا السياق، تم إبراز تجربة المغرب كنموذج متفرد في تدبير قضايا الهجرة، قائم على سياسة إنسانية واستباقية تراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية للمهاجرين، وتنسجم مع الالتزامات الدولية.
وفي كلمة تليت نيابة عنه، اعتبر رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط، محمد غاشي، أن تدفقات الهجرة باتت تطرح تحديات متعددة ترتبط بالأمن والتنمية وحقوق الإنسان والسيادة، مؤكداً أن القارة الإفريقية توجد اليوم في قلب السياسات الأوروبية للهجرة، باعتبارها فضاءً للعبور والانطلاق والاستقرار، في ظل سياق عالمي مضطرب يشهد توترات إقليمية واختلالات اقتصادية متزايدة.
وأشار إلى أن السياسات الأوروبية في هذا المجال تؤثر بشكل مباشر على الواقع الإفريقي، وتعيد تشكيل طبيعة علاقات التعاون، ما يستدعي بناء حوار صريح وشفاف مبني على المصالح المشتركة.
من جهته، أوضح عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-السويسي، عز الدين غفران، أن الهجرة أصبحت عنصراً مركزياً في العلاقات بين إفريقيا وأوروبا، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي تبنى، بتنسيق مع دول إفريقية، استراتيجية تهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية، إلا أن هذه الاستراتيجية، التي تمزج بين ضبط الحدود والتنمية، ما زالت تثير جدلاً بشأن فعاليتها.
وفي هذا الإطار، سلط المتدخلون الضوء على مقاربة المغرب في مجال الهجرة، باعتبارها نموذجاً رائداً في المنطقة، قائم على إدماج المهاجرين وضمان حقوقهم، وتسهيل اندماجهم السوسيو-اقتصادي، وهو ما جعل من المغرب فاعلاً محورياً في النقاشات الإقليمية والدولية حول الهجرة.
من جانبها، أكدت ممثلة المنظمة الدولية للهجرة، عفاف بن ناصر، أن التحديات المرتبطة بالهجرة لا يمكن التصدي لها إلا من خلال تعاون دولي يقوم على المسؤولية المشتركة واحترام القانون الدولي، مبرزة محدودية الحلول الأحادية أو ذات الطابع الأمني الصرف.
ودعت إلى اعتماد استراتيجيات هجرة شمولية تتجاوز المقاربة الأمنية، وتركز على مختلف أبعاد التنقل البشري، مع العمل على تعزيز التعاون متعدد الأطراف، مشيدة بالتجربة المغربية في هذا المجال، التي تعتمد على دمج البعد الإنساني في السياسات العمومية ذات الصلة بالهجرة.
وتتواصل أشغال هذا اللقاء الدولي على مدى يومين، بمشاركة نخبة من الخبراء والباحثين من إفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، لمناقشة مختلف التحديات والفرص التي تتيحها شراكات الهجرة، من خلال أربع جلسات تتناول “ديناميات التفويض وحدود سياسات الهجرة الأوروبية”، و”الحقوق الأساسية والحكامة الدولية”، و”الجيوسياسة وتدفقات الهجرة”، و”أدوار دول العبور وآثار تفويض تدبير الهجرة على بنياتها الاجتماعية والاقتصادية”.