في مشهد بات متكررا، لا تملك الدبلوماسية الجزائرية بوصلة واضحة، ولا استراتيجية خارجية قائمة على رؤية متماسكة، بل تكتفي بردود أفعال متأخرة ومكشوفة تجاه تحركات المغرب، خصوصًا في ملف الصحراء المغربية. آخر هذه الردود، زيارة الرئيس المعيّن عبد المجيد تبون إلى سلوفينيا، بعد أقل من شهر على إعلان ليوبليانا دعمها الصريح لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
الرئاسة الجزائرية اكتفت بإعلان مقتضب عن الزيارة التي وصفتها بـ”زيارة دولة”، دون تقديم أي تفاصيل عن جدول الأعمال أو الأهداف، مما يعكس مرة أخرى غياب التخطيط والوضوح. المفارقة أن هذه الزيارة لم تتم إلا بعد الموقف السلوفيني الجديد، رغم أن الدعوة كانت قائمة منذ أكتوبر 2024، حين تسلم تبون دعوة رسمية من سفيرة سلوفينيا في الجزائر، حسب ما أورده إعلام الكابرانات.
سلوفينيا، العضو الحالي في مجلس الأمن، أعلنت في 18 أبريل 2025، على لسان نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية، تانجا فايون، أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تمثل “أساسًا جيدًا لحل نهائي” لنزاع الصحراء، مشيدة بـ”الجهود الجادة والموثوقة التي تبذلها المملكة”.
هذا الموقف السلوفيني، الذي يعكس انخراطًا متزايدًا للمجتمع الدولي في دعم الطرح المغربي، لم تستطع الجزائر هضمه، ليأتي الرد على شكل زيارة بروتوكولية، تفتقر لأي مضمون ديبلوماسي فعّال. مرة أخرى، تظهر المؤسسة العسكرية الحاكمة في الجزائر – بواجهتها المدنية – وكأنها لا تملك من السياسة الخارجية سوى ملف الصحراء، الذي اختزلت فيه كل تحركاتها وخطاباتها وتحالفاتها.
الجنرالات في الجزائر لا يزالون يسيرون البلاد بعقلية الحرب الباردة، حيث تُبنى العلاقات الدولية على منطق “مع أو ضد”. فلا رؤية اقتصادية، ولا أجندة إفريقية، ولا مساهمات بناءة في قضايا السلم والتنمية. وحده المغرب، وبالضبط قضية الصحراء، يظل شاغلهم الأكبر، حتى صارت العاصمة الجزائرية تبدو وكأنها تتابع فقط نشرات الأخبار المغربية لتبني على إثرها مواقفها وتحركاتها.
هذا النهج المأزوم يجعل من الجزائر دولة بلا دبلوماسية حقيقية، بل مجرّد كيان سياسي تحركه هواجس الماضي، وتتحكم فيه عقلية العسكر أكثر من ضرورات الدولة الحديثة.
بينما يراكم المغرب الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وواقعي ومتوافق عليه، تستمر الجزائر في مناوراتها القديمة التي لم تعد تقنع حتى حلفاءها. فالمواقف الدولية تتجه بثبات نحو دعم الطرح المغربي، وقرارات مجلس الأمن تؤكد حصرية المسار الأممي، في حين تصر الجزائر على دعم أطروحات متجاوزة لا تجد أي سند دولي جدي.
إن استمرار النظام الجزائري في بناء علاقاته الخارجية فقط من منطلق العداء للمغرب، يدفع البلاد نحو مزيد من العزلة والجمود. فالعالم تغير، وتحركات الرباط مدروسة ومتزنة، بينما يكتفي النظام العسكري في الجزائر بردود فعل يائسة، كشفت هشاشة استراتيجيته وفقدان البوصلة.