لم يكن يوم الإثنين الماضي عادياً في الجزائر، حيث شهد الجيش الجزائري فصلاً جديداً من مسلسل التغييرات المفاجئة والتصفيات المتكررة داخل صفوفه العليا، مع إقالة اللواء يحيى علي أولحاج من منصبه كقائد للدرك الوطني. ورغم أن خلفه لم يُعلن عنه رسمياً بعد، إلا أن اسم اللواء سيد أحمد برونمانا يتردد بقوة في الكواليس.
هذا التغيير ليس حدثاً معزولاً، بل يأتي ضمن سياق واضح من “تطهير” منهجي يقوده الجنرال السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع بالنيابة، الذي ما فتئ منذ توليه السلطة العسكرية المطلقة، يُبعد خصومه وحتى حلفائه السابقين، في حملة يرى فيها الكثيرون تصفية حسابات أكثر من كونها إصلاحاً هيكلياً.
وكان اللواء أولحاج يُعتبر من أقرب الضباط إلى شنقريحة، بل شريكه في مرحلة قيادة المنطقة العسكرية الثالثة ببشار، حيث اتُهِمَ، وفقاً لاعترافات قرميط بونويرة (الصندوق الأسود للجيش)، بالتورط في إدارة شبكات التهريب. ومنذ تعيينه على رأس الدرك الوطني في غشت 2021، حظي بترقيات وأوسمة رئاسية منتظمة، ما جعل سقوطه أمراً مفاجئاً ومثيراً للتساؤلات.
ويتساءل المراقبون: هل سيلقى نفس مصير سابقيه، مثل مناد نوبة وعبد الرحمن عرعار، وينتهي به المطاف في سجن البليدة العسكري؟ أم سيكون من المحظوظين الذين “سيتمتعون” بالإبعاد دون المحاسبة؟
شنقريحة، الذي تولى منصب وزير منتدب لدى وزير الدفاع في شتنبر 2024، لم يتأخر في فرض قبضته. فمنذ ذلك التاريخ، أقال أربعة جنرالات كبار، أبرزهم الجنرال عمار عثمانية (قائد القوات البرية) والجنرال الأسطوري بن علي بن علي، آخر رموز “المجاهدين” في الجيش، الذي أُحيل على التقاعد في يناير 2025، إيذاناً بنهاية حقبة وبداية أخرى أكثر انغلاقاً.
ولم تتوقف “المجزرة” عند الخصوم التقليديين، بل طالت أيضاً مقربين مثل الجنرال محمود العرابة، قائد الدفاع الجوي، الذي أُقيل في فبراير الماضي، رغم أنه كان يُعتبر صديقاً مقرباً من شنقريحة.
وبات الجيش الجزائري، حسب المراقبين، أكبر مؤسسة عسكرية في العالم تضم جنرالات خلف القضبان، بأكثر من 50 ضابطاً سامياً، بينهم قادة درك واستخبارات سابقين. الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول استقرار هذه المؤسسة الحيوية، في ظل هيمنة منطق الشك والتصفية والتخوين.
وقد تحوّلت المؤسسة العسكرية الجزائرية، من وجهة نظر العديد من المتابعين، إلى “تجمع عصابات” أكثر منها قيادة منظمة، حيث يعيش كبار الضباط تحت هاجس السقوط المفاجئ، ويعلمون أن الطريق المهني قد ينتهي إما في السجن أو في المنفى.
ورغم المظهر الخارجي للقوة والانضباط، فإن هذه الحروب الداخلية تنهك الجيش الجزائري وتفقده تماسكه. وإذا ما واجه هذا الجيش اختباراً حقيقياً، سواء داخلياً أو خارجياً، فإن هشاشته قد تنكشف على نحو كارثي.
المفارقة أن الإعلام الموالي للمؤسسة العسكرية لا يتوقف عن السخرية من أنظمة الجوار العسكرية، لا سيما في منطقة الساحل، متناسياً أن ضباط هذه الدول يعملون في ظروف أقل قمعاً وخوفاً من نظرائهم الجزائريين، الذين يعيشون في ظل سيف الإقالة والملاحقة.