مارس الإعلام الجزائري دور الرقيب على الرئيس المعين عبدالمجيد تبون؛ حيث ان الخطاب الذي انتظره الجزائريون، منذ الإعلان عنه خلال الأيام الماضية، لم يُنقل على المباشر كما جرت العادة، واقتطع التلفزيون الحكومي عبارة “إذا أعطاني الله الصحة الكافية” التي رد بها تبون على نواب برلمانيين طلبوا منه الترشح لولاية رئاسية ثانية.
ويبدو أن الرقيب الذي يتعدى سلطات التلفزيون الحكومي لم ترق له عفوية الرئيس ولا خروجه عن النص في بعض المقاطع، خاصة وأن العبارة المذكورة بإمكانها إثارة جدلٍ السلطةُ في غنى عنه، وهو ما يتعلق بالوضع الصحي للرئيس الذي تراهن عليه للتجديد له في الانتخابات المنتظرة نهاية العام المقبل.
وبث التلفزيون الحكومي مقتطفات من خطاب الرئيس تبون، فيما تم بثه كاملا في اليوم التالي (مساء الثلاثاء)، وهي سابقة في التعاطي مع خطاب رئيس الجمهورية، ويلمح إلى أن سلطة الرقيب تريد قص بعض المقاطع وربما مفردات وجمل، لا يراد للشعب الجزائري أن يطلع عليها، وستبقى في حدود أسوار قاعة المركز الدولي للمؤتمرات.
وكان الرئيس المعين عبدالمجيد تبون قد تعرض عام 2020 لوعكة صحية بسبب إصابته بفايروس كورونا، اضطرته إلى التوجه نحو ألمانيا للعلاج، حيث قضى قرابة ثلاثة أشهر في أحد مستشفيات مدينة بون، الأمر الذي طرح آنذاك مسألة الفراغ المؤسساتي وسيناريوهات ملء الفراغ، خاصة وأنه في تلك الفترة لم يستقر رأي اللوبيات الفاعلة على مسألة كونه رئيسا للبلاد.
ومن الواضح أن السلطات الفاعلة لا تريد إفساح المجال للصدف غير السارة التي من شأنها أن تضع العراقيل في طريق تبون إلى قصر المرادية في ديسمبر 2024، بما في ذلك ما يتم تداوله حول الوضع الصحي، الذي يبدو أنه تأثر بعملية العلاج التي خضع لها في ألمانيا، إذ مازال يخضع للمتابعة الطبية الدورية.
كما أنها لا تريد تكرار سيناريو الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، الذي واجه متاعب صحية منذ عام 2013، غير أن محيطه استمر في إدارة شؤون البلاد باسمه، إلى غاية إعلان التنحي في أبريل 2019، تحت ضغط احتجاجات الحراك الشعبي وضغط قيادة المؤسسة العسكرية.
ورفع نواب برلمانيون الحرج عن الرئيس المعين تبون، بدعوته إلى التقدم لخوض انتخابات الرئاسة المنتظرة نهاية العام المقبل، وهو ما لم يرفضه ولم يفصح عن رغبته الصريحة في ذلك، تاركا الخيار للشعب ولممثليه، وللوضع الصحي والقدرة على أداء المهمة، لكن كل المؤشرات داخل قصر المؤتمرات -خاصة نوعية الحضور الرسمي المدني والعسكري- كانت توحي بأن السلطة بصدد التجديد للرئيس الحالي، لاسيما وأن المناخ السياسي السائد يجعل تبون يخوض السباق دون منافسين حقيقيين.
وإلى جانب نواب غرفتي البرلمان (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، ورئيسيهما صالح قوجيل وإبراهيم بوغالي، حضرت الكثير من الشخصيات الرسمية في الحكومة والمؤسسة العسكرية، وعلى رأسها قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، وهي رسالة واضحة يفيد مضمونها بأن المؤسسة العسكرية، الحاكم الفعلي في البلاد، تدعم ترشيح الرجل لولاية رئاسية ثانية.
ورافع الرئيس الجزائري لصالح إنجازات السنوات الأربع التي قضاها في قصر المرادية، محاولا إحداث قطيعة مع المرحلة التي سبقتها رغم أنه كان عضوا فيها، وأحد الوجوه التي تدرجت في المناصب الإدارية والحكومية، إلى أن بلغ منصب رئيس الوزراء عام 2017.
وقال “إن سلطات بلاده استرجعت ما يفوق 30 مليار دولار من الأموال المنهوبة في شكل أموال وعقارات وممتلكات تعود إلى رموز المرحلة السياسية السابقة”، لكن الأرقام التي يتم الإعلان عنها من حين إلى آخر من طرف مسؤولين في الدولة تتسم بالتضارب، خاصة وأن الغموض مازال يكتنف الأموال المهربة.
ولفت إلى أن “استرجاع السلطات ما يفوق 30 مليار دولار من الأموال المنهوبة جاء تنفيذا لالتزامه بمحاربة الفساد عقب وصوله إلى الحكم نهاية 2019، وأن الأموال المسترجعة تمثلت في مبالغ مالية وعقارات وعديد المصانع”.
وأكد في هذا الشأن أن “مواصلة محاربة كل أشكال الفساد واسترجاع أموال الشعب المنهوبة خلال فترة حكم العصابة، مكّنت من استرجاع ما يفوق 30 مليار دولار، تشمل عقارات ووحدات صناعية ومبالغ مالية، وأن العمل متواصل من أجل استرجاع الأموال التي تم تهريبها إلى خارج الوطن، لاسيما وأن دولا أوروبية أبدت استعدادها للتعاون مع الجزائر في هذا الشأن”، إلا انه تناسى انه كان ضمن العصابة التي حكمت الجزائر في ذلك الوقت.
وعلى صعيد آخر أكد الرئيس الجزائري المعين أن بلاده تتعافى اقتصاديا، وأن احتياطيّها من النقد الأجنبي يفوق 70 مليار دولار مقابل 42 مليار دولار عام 2019، وأنه ملتزم دوما بتجنب المديونية.
وقال “لن أذهب إلى المديونية، أعرف قيمتها وآثارها على النخوة الجزائرية، الموقف الجزائري، لأنني كنت في حكومة اختارت طريق المديونية. راجعنا أنفسنا وركزنا على ما هو ضروري للاقتصاد الوطني، حيث قررنا وقف استيراد المواد التي يمكن إنتاجها محليا”، وهي مغالطة كبيرة لان الجزائر تفتقر إلى ابسط المواد الكفيلة بمنح المواطن شروط عيش كريم لأنها لا تصنع ولا تنتج شيئا، وأضاف “نعم، لا يزال المشوار طويلا، لكن الخطوات الأولى جاءت بنتائج جيدة وسنواصل العمل. خلقنا معارض دائمة في بلدان شقيقة سمحت بالترويج للمنتوج الوطني دوليا”، وهي ادعاءات لا يمكن تصديقها لان الاف الجزائريين يصطفون يوميا في طوابير طويلة للحصول على المواد الاساسية الضرويرية…