الجزائر..محامون يرسمون صورة قاتمة لوضعية الحقوق والحريات

رسم عدد من المحامين المعروفين بتطوعهم في الدفاع عن قضايا الحقوق والحريات في الجزائر صورة قاتمة لوضعية الحقوق والحريات في بلادهم، واستعرضوا التشدد غير المسبوق من طرف السلطة تجاه الناشطين والمناضلين السياسيين المعارضين، حيث باتت تدابير السجن المؤقت والتعذيب والمنع من السفر خارج البلاد بمثابة إجراءات عادية رغم تنافيها مع أبجديات حقوق الإنسان العالمية.

وصرحت المحامية والناشطة الحقوقية فتة سادات، في ندوة احتضنتها جمعية الدفاع عن ضحايا الاختفاء القسري خلال العشرية الدموية في الجزائر (1990 – 2000)، بأن الدستور الجزائري المعدل في 2020 والمعزز للحريات والحقوق، امتثالا لمبادئ الإعلان العالمي ومختلف الاتفاقيات، لا يعكس الواقع ولا الممارسات المطبقة من طرف السلطات العمومية.

وذهب المحامي نورالدين أحمين إلى وصف الوضع بـ”الكارثي”، وإلى التساؤل عمّا إذا “كان الجزائريون بشرا حقا؟”، وذلك خلال تسليطه الضوء على ما أسماه بـ”التراجع الكبير في الحقوق الأساسية منذ الحراك الشعبي العام 2019″، قائلا “هناك تراجع رهيب، وعندما كان لدينا أمل كبير في اتخاذ خطوة إلى الأمام لتطوير الوضع، وجدنا أنفسنا في وضع لا يطاق منذ 2019، لم نخرج من أروقة العدالة والاعتقال والمحاكمات”.

وأضاف “..أن السلطة حولت المجتمع الجزائري وكأنه يعيش حالة حرب”، وهو نفس التقييم الذي شاركه فيه المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي الذي وصف الوضع بما “كان سائدا في 1990″، في إشارة إلى العشرية الدموية.

واستعرض المحامي عبدالغاني بادي، العضو في تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي (مستقلة) وغير معترف بها، حالات الانتهاكات المتكررة في ملفات الأشخاص الملاحقين في قضايا تتعلق بحرية التعبير والتجمع السلمي والرأي، كما هو الحال بالنسبة إلى نشطاء الحراك والصحافيين والناشطين السياسيين.

وقال بادي “احترام حرية الفرد يكمن في السلسلة التي تبدأ من اعتقاله حتى صدور قرار المحكمة، وبين هذه المراحل هناك عدة إجراءات تعرّض الفرد لدرجة معينة من الحماية والانتهاكات وحتى القمع”.

ولفت إلى أن السجن الاحتياطي إجراء استثنائي أصبح متكررا في فئة معينة من القضايا، لدرجة التوظيف التعسفي للإجراء من قبل قضاة التحقيق، لمّا يتعلق الأمر بالأشخاص الذين تمت محاكمتهم بسبب آرائهم ونشاطهم السياسي.

وتحدث عما أسماه بـ”تواطؤ بين الشرطة القضائية والنيابة العامة والقضاة.. لا أعتقد أن منشورا على فيسبوك أو بيان صحفي سياسي يمكن أن يشكل حقائق خطرة، وللأسف فإن النيابة التي يجب أن تحمي الأفراد لا تقوم بهذا الواجب، وأن الخطوة الأولى تبدأ بقبول الملف المقدم من قبل الشرطة القضائية”.

وتطرق المتحدث إلى ما وصفه بـ”عدة حالات انتهاك للإجراءات مثل حالات التعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز لدى الشرطة، على غرار ما تم مع الشاب ياسر رويبة، فضلا عن انتهاكات أخرى مثل تطبيق القوانين بأثر رجعي، كما هو الشأن لأشخاص تمت محاكمتهم بتهمة الانتماء إلى حركتي ‘ماك’ و’رشاد’ بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات المتعلقة بالإرهاب، هذا إلى جانب قرارات المنع من مغادرة التراب الوطني المتخذة بشكل لافت في السنوات الأخيرة ضد بعض الأشخاص”.

وخلص المتحدث إلى أن “العدالة ليست مستقلة، حتى أن هناك تدخلات من جهات أمنية وسياسية، من السلطة التنفيذية، وخاصة تصريحات رئيس الجمهورية في عدة قضايا، مثل قضية الصحافي إحسان القاضي، وقد لاحظنا تمسكا من جانب القضاء، بمضمون تلك التصريحات”.

ونظم أهالي معتقلي بلدة الأربعاء نات إيراثن بولاية تيزي وزو، الأسبوع الماضي، احتجاجاهم الخامس المتمثل في إضراب عام داخل البلدة، للمطالبة بما أسموه “محاكمة عادلة ومنصفة” لأبنائهم وأقاربهم المسجونين في قضية اغتيال الناشط والمتطوع جمال بن إسماعيل في العام 2021.

ونقلت تقارير وصفحات محلية على شبكات التواصل الاجتماعي استنكار تلك العائلات لما وصف بـ”الحيل البشعة التي استخدمتها السلطات المحلية لقمع الاحتجاج في ذلك اليوم، بتهديدات للتجار، والضغط وتهديد الناقلين، والاعتقالات التعسفية، وترهيب العائلات”.

وأكدوا على أنه “رغم الطبيعة المتكررة لأفعالهم، فإن الرد الوحيد هو مضاعفة جهودنا في القمع والترهيب، ورفض الضغوط والتهديدات، لأن معركتنا عادلة، ولهذا السبب سنصل إلى هدفنا عاجلا أم آجلا”.

ولفتوا إلى أن “أقاربهم مشتتون في جميع أنحاء سجون الجزائر، وأملنا الوحيد يكمن في التعبئة.. فلا تتركونا! لا تتركونا!”.

ويأمل هؤلاء، في تضامن المجتمع المحلي من سكان منطقة القبائل، سواء كانوا مجالس القرى أو التجار أو الناقلين أو حتى طلاب الجامعات والمدارس الثانوية، من أجل التعبئة والتحضير لإضراب مبرمج في الحادي عشر من يناير المقبل من أجل المطالبة بـ”الإفراج الفوري عن جميع معتقلي الأربعاء ناث إيراثن، وكذلك جميع المعتقلين السياسيين والمنحدرين من منطقة القبائل”.

 وكانت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية قد أكدت في أعقاب زيارة المقررة الأممية ماري لولر إلى الجزائر على أن “الجزائر تبقى مستعدة لتكثيف جهودها بغية تجاوز التحديات في مجال حماية حقوق الإنسان واحترامها وحماية المدافعين عنها واستكمال مواءمة ترسانتها القانونية الوطنية بغرض تكييفها مع أحكام دستور 2020”.

وألمح بيان الخارجية الجزائرية إلى نوايا السلطات في مراجعة محاور الانتقاد الموجه لها في ما يتصل بملف الحقوق والحريات، خاصة وأن تصريحات المقررة الأممية أوردت “خيبة أمل”، في ما وجدته وعاينته، خلال زيارتها للجزائر.

مقالات ذات الصلة

12 نوفمبر 2024

الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش والشعب

12 نوفمبر 2024

مسؤولة فرنسية تشيد بالرؤية الملكية للتغلب على ندرة الموارد المائية

12 نوفمبر 2024

ذكرى المسيرة الخضراء.. ملحمة خالدة في مسار تحقيق الوحدة الترابية

12 نوفمبر 2024

خبير فرنسي: جلالة الملك نجح في النهوض بدولة ذات استراتيجية مبتكرة ورؤية بعيدة المدى