قد يبدو من الطبيعي أن يترافق تفشّي فيروس «كورونا» مع الكثير من التكهّنات والتحليلات عن منشئه وسيرورته، انطلاقاً من واقع أن ما يحاربه العالم، اليوم، «كائن خفي» يحصد أرواحاً كثيرة، ويضع الدول كافة أمام أصعب الاختبارات بهدف احتوائه. اختبار جعل من السلطات الفرنسية، ومن مختبراتها البيولوجية، هدفاً، بعد انتشار أنباء عن أنها لعبت دوراً في خلق هذا الفيروس
اتّخذ السخط الشعبي على الحكومة الفرنسية، ربطاً بمعالجتها المتأخّرة لأزمة تفشّي فيروس «كورونا»، شكلاً مختلفاً، مدفوعاً بشعور عام لدى الفرنسيين بأنّ السلطات لم تكن شفّافة معهم، وبأنها والخبراء ووسائل الإعلام، يتبعون أسلوباً يعتمد على تصفية المعلومات، إلى حدّ إخفائها.
من يعرف الحقيقة عن انتشار فيروس «كورونا»؟ سؤال يُطرح منذ بدء انتشاره، وإلى الآن لم يظهر جواب شافٍ عليه. ولكن في الداخل الفرنسي، هناك من اعتمد مقاربته الخاصة ليقول إن هناك من يعرف ولا يخبر، بل أكثر من ذلك هناك مختبرات فرنسية خطّطت ونفّذت وشاركت.
المحفّز الأساسي على هذا النقاش، كان قنبلة سياسية ألقت بها وزيرة الصحة السابقة أنييس بوزين، عبر الربط بين انتشار فيروس «كورونا» والإصرار على إجراء الانتخابات البلدية يوم الأحد. «كان بإمكاننا إيقاف كل شيء، لقد كان الأمر عبارة عن حفلة تنكّرية»، قالت في حديث إلى صحيفة «لو موند».
أجرت الوزيرة، التي كانت مرشّحة عن حزب إيمانويل ماكرون «فرنسا إلى الأمام» في باريس، تقييماً رهيباً لإدارة أزمة فيروس «كورونا» والإصرار على الإبقاء على الانتخابات البلدية.
وقالت إنها عندما غادرت الوزارة، في منتصف شهر فبراير الماضي، كانت تعرف أن «موجة التسونامي كانت أمامنا»، مضيفة: «أظن أنني أول من رأى ما يحصل في الصين: في العشرين من يناير، فصّلت إحدى المدوَّنات الإنكليزية اعتلال رئة غريب. حذّرت مدير عام الصحة.
في 11 يناير، أرسلت رسالة إلى رئيس الجمهورية (إيمانويل ماكرون) بخصوص الوضع. في الثلاثين من يناير، حذّرت إدوارد فيليب (رئيس الحكومة) من أنه ربما لا يمكن إجراء الانتخابات. كنت أكبح غيظي».
القنبلة التي ألقتها بوزين، تركت الطبقة السياسية مذهولة، بينما فتحت الباب على نقاش من نوع آخر، ربطاً بالأسباب وراء الإهمال الحكومي للأزمة، فتوصل البعض إلى أن ذلك كان مدفوعاً بواقع أنّ «المختبرات الفرنسية شاركت في خلق فيروس كورونا، وتطويره». ولكن كيف توصّلوا إلى هذه الخلاصة؟ وهل هي واقعية؟.
انطلق كثيرون من دراسة أظهرت أن جينوم فيروس «كورونا» (2019-nCoV) يشبه، بشكل عام، فيروسات «كورونا» العادية المعروفة. ووقفوا أمام ما أشارت إليه هذه الدراسة عن أن هذا الجينوم يحتوي على أربعة إدخالات، هي بروتينات من فيروس «الإيدز» HIV – 1.
مناصرو هذه الدراسة ومعدّوها فوجئوا بوجود هذه الإدخالات من فيروس الـ«إيدز» HIV-1 في جينوم فيروس «كورونا» الذي كانت مصدره خفافيش. لذا، وصلوا إلى اعتقاد مفاده بأن وجودها لا يمكن أن يكون عرضياً، وبالتالي توصّلوا إلى أنّ فيروس «كورونا» (2019-nCoV) «كائن غير مرئي تمّ إنشاؤه في المختبر ، وقد جمع بمهارة ومكر ما بين فيروس كورونا من خفاش وبروتينات أساسية لفيروس الإيدز (HIV-1)».
بمعنى آخر أيضاً، ارتأى داعمو هذه النظرية أنّ هذا الفيروس هو سلاح ضمن حرب بيولوجية، وجد مكانه في الطبيعة بسبب بعض الخطأ أو الفشل. التحليل أعلاه تداوله كثيرون، منذ بدء تفشّي الفيروس، من دون أن يجري تأكيده أو نفيه.
بل إنّ العديد من الخبراء رفضوا اعتماده. ولكن في فرنسا، هناك من اتّخذه أساساً ليبني عليه نظرية أخرى، أكثر تفصيلاً، تعتمد على حقيقة أنّ «فرنسا باعت مركز فيروسات عالي التقنية للصين»، أو بمعنى آخر مختبرات بيولوجية، ذات مستوى «P4»، التي تتعامل مع أخطر مسبّبات الأمراض في العالم.
أين يقع هذا المختبر؟ في ووهان. جواب كافٍ ليمنح أصحاب النظرية أعلاه نوعاً من الرضى، والثقة، معتمدين على واقع أن هذا المختبر، الأول من نوعه في الصين والتابع للأكاديمية الصينية للعلوم (CAS ، معهد ووهان لعلم الفيروسات)، صمّمته فرنسا، ويحتوي على العديد من معدّات الاحتواء البيولوجي الفرنسية والأوروبية المتقدمة.
وقد شارك في افتتاحه إيف ليفي المولود في الدارالبيضاء بالمغرب (يسار الصورة)، زوج إنييس بوزين، الذي كان في حينها مدير INSERM (المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية) في فرنسا.
وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى ماهية تصنيف P4 وأهميته، إذ أن تصنيف مختبر على مستوى P4 «للعوامل المُمرضة من المستوى 4»، يجعله عرضة لإيواء الكائنات الحية الدقيقة المسبّبة للأمراض.
تتميّز هذه العوامل من الفئة 4 بخطورتها العالية (معدّل وفيات عالٍ جداً في حال الإصابة)، غياب لقاح الحماية، غياب العلاج الطبي الفعّال، وإمكانية انتقال العدوى بالهواء.
سؤال آخر طرحه مروّجو المؤامرة وهو: لماذا هذا الصمت الكامل على وجود هذا المختبر ـــــ الفرنسي ــــ في ووهان حيث ظهر الفيروس؟ يعتقد هؤلاء بأنه جرى التلاعب بهم في ما يتعلق بهذا الموضوع، كما بشأن مواضيع أخرى.
وفي هذا المجال، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات تتحدث عن مؤامرة فيروسية، مدّعية بأن المختبرات الفرنسية طوّرت فيروس «كورونا»، منذ عام 2004، ثم تمّ نشره لأغراض اقتصادية.
تستند هذه الفيديوات على براءة اختراع أوروبية، تتحدث عن الفيروس الذي انتشر عام 2004.
وقد فتحت هذه التسجيلات جدلاً واسعاً، دفع بمختبرات «باستور» إلى إصدار توضيح يؤكد فيه أن هذه «البراءة» تتحدّث عن اكتشاف الفيروس ومن ثمّ إيجاد علاج له.
في هذا الوقت، هناك من سعى إلى تأكيد أنّ هذه البراءة الأوروبية الشهيرة من عام 2004، تتعلق بسلالة من وباء الـSARS الذي انتشر عام 2003، ولا تقصد براءة حماية «اختراع»، بل القول إنهم أول من نجح في عزل هذا الفيروس في مختبر، ضمن خطوة أساسية في البحث العلمي والبحث عن علاجات.
في الواقع، ذهب مروّجو المؤامرة إلى حدّ الخلط بين أمرين، وهما فيروس SARS-CoV الذي انتشر عام 2003 وفيروس SARS-CoV-2، الذي ظهر عام 2019.
كذلك، خلطوا بين فيروس SARS-CoV ومرض SRAS، وغيرهما من الأمور التي انشغل بها الرأي العام الفرنسي، في الأيام الماضية، في محاولة ربما لصبّ جام غضبه على حكومته، بغضّ النظر عن مدى صدقية ما جرى تداوله.
وعبر صفحته في فايسبوك تناول جيلبير كولارد، النائب في البرلمان الأوروبي عن حزب التجمع الوطني الفرنسي، ما يتعرض له ديديه راوولت من تشهير؛ فقد اتهم صراحة إيف ليفي بالضلوع في هذا الأمر.
وفقاً لكولارد، اتسمت العلاقة بين ليفي وراوولت بالتوتر، ويعتبر كولارد أن ليفي يسعى إلى وضع العصي في دواليب راوولت على سبيل تصفية الحسابات.
من جانب آخر، تركيز كولارد على العلاقة الزوجية التي تربط بوزان بليفي، يحمل تلميحاً لاستخدام الأخير لنفوذ زوجته بغية الوصول إلى مبتغاه.
تحدي راوولت لقرار وزير الصحة وتغريده خارج السرب الطبي هو ما ضاعف اهتمام الصحافة به ودفعها للمزيد من التغطية، ودلت التغطية على انقسام الجسم الطبي الفرنسي إلى رأيَين اثنين: الأول “يقدس” البروتوكولات الطبية معتبراً أنها وُجدت لضمان سلامة المرضى وليس للتعقيد الإداري، وبالتالي القفز من فوقها قد يعرض حياة المصابين بالكورونا للخطر. أما الرأي الآخر فيرى في الظروف الاستثنائية مبرراً كافياً لتجاوز هذه الإجراءات بغية الإسراع في إيجاد العلاج.